المقال بالكامل مقتبس من رواية المطهر
كان جالسًا في غرفته ممسكًا بكأسٍ من الويسكي، عجوز بلغ من العمر ما يقارب الخمسين، كان يومه هادئًا إلى أن أتته رسالة من مجهول مكتوبٍ فيها "لم يكن مرحب بأطفالك في أرضنا، لذا لا تغامر بهم مجددًا، إن كانوا يعرفون السباحةِ فقد نجوا هذه المرة، وقد تركتهم لمجهول مصيرهم بنية أن يشفي الله صديقي، لكن لا تنتظر أن يحدث هذا مجددًا.."
جلس قليلًا ليُفكر، من
هذا وما المقصود، وأي صديقٍ ذلك، لكنه تفاجأ بظهور رجلًا أمامه فجأه، وظهوره
المفاجأ هذا أفزعه حتى أنه قفز من مكانه ساكبًا الكأس من شدة الهلع، ثم قال من أنت
وكيف أتيت إلى هنا!
أجابه نفس الرجل وقد كان نفس العجوز الذي رأيناه في ذلك المنزل المرعب وهو يقول
بهدوء: أنا سلاحك الوحيد القادر على محو تهديد سكان أرض المجهول، وبالطبع ملكها
"عز الدين" "ديمون" "لوسيفر" "المسخ ذو الوجه
البريء" لا أعلم ما الإسم الذي تعرفه به، لكن جميعهم لنفس الشخص
ليجيبه عبد الرحمن: بنفس قلقه، ما تقصد؟
ليجيبه العجوز بنفس نبرته الهادئة: كان دائمًا ذلك الرجل قادرًا على سحقك، لأنه
كان ساحرًا يملك من الجان ما يملك، لكنه الآن فقده كله، مر عام وشهور على تلك
المعركة ولم يستيقظ سوى الآن، ولا جان يسانده..
بدأ عبد الرحمن في الهدوء ليس من كلمات العجوز، لكن ما افزعه كان حضوره المفاجأ
أما عن غرابة الموقف فأظنه إعتاد الأمر لقد تعامل ديمون ومن ثم عائلة آزاد، وصدقني
لن تحتاج أكثر من هذا لتتوقع عن العالم كل شيء تنهد في سكون ثم قال: ثم؟
ديكارت: بلغني أنه الآن يعاني الآن بقسوة، شلل أمه والصداع الذي يلاحقه، والكثير
من الأحداث التي حدثت سابقًا جعلته تخلى عن الحرب والقتال، لذا هذه فرصتنا الآن...
عبدالرحمن: فرصتنا؟
ديكارت: نعم، أنت تملك الرجال والسلاح من بني البشر، وأنا أملك القوة من بني الجان
عبد الرحمن: نعم لكن ماذا ستجني، ما هدفك في النهاية
- إستطاع جنودي الدخول لكل شبرٍ في أرض المجهول إلا ذلك القصر لم يستطيعوا تخطي
البوابةِ حتى، بسبب ظروف بيئية تتعلق بالمكان والجان، يجب أن أدخل أنا، في هذا
القصر يوجد كل ما يتعلق بقوته ومن أين حصل عليها وكيف تحكم بها، وكيف أبرم كل هذه
الصفقات، الكثير من الأوراق التي تلزمني، إن اتحدت معي لن يهزمنا احد
= حسنًا هذا جانبك من الصفقة كيف أضمن من أنك لن تخونني
- وما حاجتي لذلك، ليس لي حاجة دنيوية من أرضِ المجهول، وليس لك خيارًا غيري،
سنحكم أرضِ المجهول سويًا، ولا أظنك بحاجة لفعل شيءٍ آخر، حتى تملك حريتك في
تجارةِ كل ما تريد دون أن تعاني مع القانون، وبالطبع قوتي من العالم الآخر ستفيدك
كثيرًا في كل شيء..
= قولتَ أنك بحاجة للقوة البشرية من أجل الدخول، وأن ديمون بات ضعيفًا ومشغل
- نعم
= حسنًا، هذا جيد، لكن من قال لك أننا سنقدر على أهل أرض المجهول، وأن الأمور
ستكونُ بتلك البساطةَ، ستحتاج لجيشٍ بأكمله
- بالطبع لا، سأحتاج لعامان على الأكثر، حتى أحتلُ تلك الأرض، وقد مرَّ عامٌ منهم
بالفعل
= كيف؟
- كما قال التاريخ بالطبع، نفس السيناريوا بمختلف صيغته على مدار القرون، إن
حاربنا من الخارجِ سنخسر الكثير، لكن من الداخل، لن نفقد شيء، عامٌ حتى ندس نفوذنا
في كل شبر من تلكَ المنطقة، وفي نفسِ تلك الفترة سأبعد ديمون عن هذا المكانِ
بالكامل، سكان تلك الأرض بدونه، لا يمثلون شيء، حمقى.. سيكون الأمرِ سهلًا
= يبدو الكلام سهلًا يا من لا أدري ما أسمك
- ديكارت، أسمي ديكارت، الرجل الذي أنت مدين له بأربع حيوات
= مدين؟
- أطفالك الذي أرسلتهم لإستكشاف الأمورِ في أرض المجهول، أسقطهم أحد أصدقاء ديمون
في النهر وأنا أخرجتهم أحياء.. وقبل أن تسأل، بالطبع تعلم أن ما من دابةٍ تبد على
الأرض في تلك المنطقة إلا وأن يصل صداها لديمون وإن لم يكن متاح فسيكون صديقه
"المهرج مؤخرًا" وإن لم يكن متاحًا أيضًا، فأرض المجهول بالكامل ستتعامل
معه عن طريق إشعار بصورته، وتعرف السيناريو بالطبع، ربطه ثم سجنه، وإن كان مذنبًا،
فالمتاهة ومئواه إلى أن يجد مصرعه.. لقد وضع ذلك الرجل نظام وتقنيات جعلة سرية
المكان محكمةٌ بالكامل، لكن مهما كان ذكاء المرء وفطنته، دائمًا ما تكون هناك ثغرة
= كيف ستبعد ديمون ورجاله عن أرض المجهول؟
- هذه قصةٍ طويلة، لكني سأرويها لك؛ لتطمئن، وبالطبع لن أخشى منك لأنك بحاجة لجاني
على أية حال..
= وها أنا استمع... [1]
- الجزء الأصعب
كان إدخال القليل من رجالي لأرض المجهول مع كل هذا النظام المحكم وجعلهم على قيد
الحياة إلى اليوم..
حين أتى يوم معركته مع عائلة "آزاد" أدخل الكثير من الغرباء أرض المجهول
من بينهم رجالي، وبعد إنتهاء المعركة خرج الغرباء أجمع إلا القليل استطاعوا
البقاء.. النقود تصنع كل شيء، دفعوا مقابل العيش، وبالطبع ديمون ليس متفرغ لأن يرى
كل شيءٍ بنفسه، فقد كان له معركةً أخرى يخوضها.. مرّ عام وقد أصبحوا جزءً أساسيًا
من المكان.. أما بالنسبةِ لخطة الدخول القادمة حتى نحتل الأرض كاملةً، سنقتبسها من
التاريخ
= ماذا تقصد؟
- إذا عدنا بالزمان في التاريخ المصري القديم تحديدًا الأسرة الثانية عشر، سنجد أن
في تلك الفترة كان هناك اتحاد أسري، بالطبع أتى هذا بعد عناء لكنهم أتحدوا في
النهاية، لكن ما اتحدت حزمة العصي في يومٍ إلا وأتى من قطع حبل الوصال بينهم..
وهذا ما حدث معهم أيضًا.. أتى شيئًا ما، لم يعرف أحدًا إلى الآن ما هو، لكنه قطع
حبل الوصال تلك تاركًا خلف العُصي منفردةً مكونةً باسمها الأسرةِ الثالثةِ عشر..
لم يكن هناك أحدًا يحبذ أن يرى الآخر يتنفس في تلك الأسرة، ظلت تلك الأسرةِ تحكمُ
لمدةِ قرنًا ونصف قرن، حكم فيها ستون حاكمًا، لم تلبث أن تدفئ مؤخرةِ أحدهم كرسي
الحكم أكثر من بعضِ سنين، بل كان هناك البعض ممن بقوا القليل من الشهور!
كانت الاسرة
الثالثة عشر متفككة بالكامل، إلا فردٍ واحدٍ فقط، أستطاع تكوين سلالة خاصة به،
بالطبع بعد الكثير من العناء والمشقة، ولكن في
النهايةِ أيضًا باتت تلك السلالة عابرة[2]
= وهذا يضعنا في
سؤال.. ما سبب هذا التفكك الغريب!
- في هذا الأمر خلاف، لكن إن نظرنا من منظورٍ آخر سنجد أن لا فرق، قال البعض، أن
الحاكم لم يكن بيدهِ كافةِ الصلاحيات التي تجعله قادرًا على توريث العرش لابنه،
ولا لأحد من أقاربه، وعلى هذا الأمر فرضيات أقربها للصحةِ ربما، أن الحاكم كان يتم
تنصيبهِ بشكلٍ مؤقت عن طريق البعض من كبراء الدولة..
وفرضيةٍ أخرى تقول أن هذا الأمر يعد نتيجةً للتأثير الفعال التي كانت تمارسه وحدات
الجيش والذي كانت بيدهم صلاحية تولية وعزل الحاكم كيفما شاءوا، ومن قالوا هذه
الفرضية دعموا قولهم بأن الحكام الشرعيون قاموا بنفس هذا الفعل حين قبضوا بأيديهم
على كرسي الحكم في طيبة.
لكن،
بالرغم من كل هذا التفكك، وتلك اللعنة التي تُصيب كل من لمس عرش الحكم، إلا أن
أجهزة الدولة كانت في كامل رونقها، في حالتها المثالية، والغريب أيضًا، أن رغم كل
هذه التقلبات، كِبار الموظفين كانوا يمرّون من فوق هذا بكل سلاسة، لم يكن يشكل هذا
الأمر أي عائقًا لهم مطلقًا، بل وعلى عكس الحكام، كان باستطاعة الكثير منهم توريث
مناصبهم لأولادهم واقربائهم، مثلما حدث مع الوزير "عنخو"
وبالطبع ترتب على هذا عِدة ترتيبات، أبرزها أن بفضل هذا الثبات الإداري، كان
باستطاعة الحاكم مباشرة وظيفتهِ كباقي الحكام دون صعبات، لم يكن بحاجة إلى الكثير
من الإصلاحات حتى يحتاج للاستقرار الداخلي..
وكان الملوك كطلاب المدارس قبل فترة الامتحانات بالضبط، ما أن يصبح أحدهم حاكمًا،
حتى يبني الكثير من المعابد ويزيد في القرابين والتقربُ من الآلهة، وبالطبعِ كان
الغرض من هذا أنهم يحافظوا ولو بشكل نسبي على زمام الأمور القائمة على الشعب
والممتلكات، وبالطبع تحكموا في الأيدي العاملة وكانت كل الأمورِ بخير.. ظلت القلاع
التي تحمي وادي النيل والنوبة السفلية كما هي، والملوك المتمصرين ظلوا يكنوا
الولاء كما هم على الأقلِ إلى نهاية العصر الانتقالي الثاني
وكما قلتُ سابقًا الأسرةِ الثالثةِ عشر، كانت أكثر فترات الحكم التي مرت على البلادِ
غرابةً، كانت شديدةِ الغموض، لدرجة أن أغلب ما وجدناه عنها من ناحية التاريخ
مشتبهٌ فيه، حتى أن العلماء كانوا يجدون صعوبة في التفرقةِ ما بين آثارِ تلك
الأسرة وآثار الأسرة التي تسبقها..
ولكن أيضًا كان هناك بعد الخطوط الواضحة رغم انعدام أسبابها، فحين تنظر على مساحةِ
الأراضي التي تحت حكم تلك الأسرة (الثالثة عشر[3])
ستلاحظ أنها كانت تتقلص قليلًا، ثم بدأت بعدها عملية تمزيق وانفصالات غريبة في منطقة مصر السفلى..
وظهرت لنا أيضًا
مملكة مستقلة في مدينة سخا في الاسرة الرابعة عشر بجوار بعض المستنقعات على شمال
غرب الدلتا..
في عام 1720 قبل الميلاد على الأقرب ظهرت اسرة جديدة لكن تم دمجها مع الاسرة
الرابعة عشر، ولا أذكر السبب المهم أنها ظهرت في افاريس الميناء النهري المؤدي إلى
آسيا وجبيل..
إلى الآن هذا هو الوضع الحالي لأرض المجهول، هم حاليًا في الأسرة الثانية عشر، يجب
علينا أن ننهي حقبتهم سريعًا، عن طريق إبعاد الملك الموحد لهم، وتدمير كبار
الموظفين، وهم جنودهم واصدقاءه المقربين كماجلين كال ابنته...الخ إن أبعدناهم سيتم
تفكيك هذا المكان بشكل تلقائي وسيكونوا أكثر سوءً بالطبع.. وكثير من الأشياء التي
من المفترض أنك أتنبطها من خلال حواري.. الآن دعنا ندخل كما دخل الزحف الهكسوسي
بالضبط.. كما هو مثبت في التاريخ، فقد قال التاريخ لنا أن الهكسوس دخلوا تلك
الحلبة ثم أبعدوا الأسرةِ الأخيرة عن طريقها ثم وضع أيديهم على "مصر"
وهذا تم اثباته حين استولوا على منف سنة 1650 قبل الميلاد..
ولكن قبل أن أنتقل لتلك النقطة، لن ننسى أن نوضح أن ضعف الحكام لم يكن السبب
الوحيد لعدم استقرار البلاد، يجب أن نضع في الاعتبار تعدد وظائف وإدارات الدولة
ذات الصلاحيات الكبيرة، أكبر حتى مما تستحق.. تلك الوظائف الإدارية التي كانت تعد
بمثابة مزايا ومصدر أرباح لأصحابها، والتي ساعدت على إضعاف موارد الدولة وإرهاقها.
- أكثر مما تستحق.
= أخالك فهمتَ ما أقصد، ستحتاج أن يسود منهم الكثير، وستكون هذه نقطة ضعف جيدة
يمكننا استغلالها.. الآن دعنا نكمل كيف دخل الهكسوس لمصر وفي هذا قولان..
القول الأول يقول: أنهم دخلوا بالقوة وحد السيف، ثم ضربوا وحطموا والكثير من العنف
والدماء المراقة، وصاحب هذا القول يَعدُ مصدر جيد نوعًا ما، لكن للأسف ليس بما
يكفي.. مصدر هذا القول هو المؤرخ الشهير " فلافيوس يوسيفوس"
- سمعتُ عنه لكن لِمَ غير موثوق بما يكفي؟
سأخبرك تابع معي.. يوسيفوس نقل كلامه من مانيوتن حسب ادعاءاته وقال.. وإليك النص
حرفيًا[4]: فيقول «يوسيفوس»: إن «مانيوتن» كتب
عنَّا (أي اليهود) ما يأتي، وإني سأقتبس كلماته كأني قد وضعته في قفص الشهادة: «لا
أعرف لماذا قد نزلت بنا في عهد توتيمايوس
(تحتمس) صاعقةٌ من غضب الإله، فقد تجرَّأ قوم من أصلٍ وضيعٍ من الشرق على
غزو بلادنا، وقد كان مجيئهم أمرًا مفاجئًا، وقد تسلَّطوا على البلاد بمجرد القوة
في غير صعوبةٍ ما، وبدون نشوبِ واقعة حربية، وبعد أن تغلَّبوا على الرؤساء أحرقوا
المدن بوحشية، وأزالوا معابد الآلهة من أساسها، وساروا في معاملة الأهلين بكل
قسوة، فقتلوا بعضَ القوم، وسبوا نساء وأطفال أناسٍ آخَرين، وفي نهاية الأمر نصبوا واحدًا
منهم اسمه «سالاتيس» ملكًا، فاتخذوا مدينة «منف» مقرًّا له، وضرب الضرائب على
الوجه القبلي والوجه البحري، وترك له حاميات في الأماكن التي كانت أعظم صلاحيةً
للدفاع، وقد أمَّنَ جناحه الأيمن بوجه خاص؛ لأنه كان يتنبَّأ بما عساه أن يحدث من
اغتصاب الآشوريين بمهاجمته عندما تزداد قوتهم في المستقبل، ولما كشف في مقاطعة
«سترويت » عن مدينة حسنة الموقع مقامة على الجهة الشرقية من فرع «بوبسطة»، عمل على
بنائها من جديد، وحصَّنَ جدرانها ووضع فيها حامية يبلغ عددها نحوًا من ٢٤٠٠٠٠ رجل
مسلحين لحماية حدوده، وكان قد اعتاد زيارة هذا المكان كلَّ صيف لتوزيع الجرايات
ودفع أجور الجنود من جهة، وكذلك ليُلقِي عليهم دروسًا هامة في فنون الحركات
الحربية، ولأجل أن يُلقِي الخوفَ في قلوب الأجانب من جهة أخرى، ثم توفي بعد أن حكم
البلاد تسع عشرة سنة.» بعد ذلك تأتي قائمة بأسماء الملوك التالية: «بنون» حكم ٤٤
سنة، «أبا خناس» حكم ستًّا وثلاثين سنة وسبعة أشهر، «أبو فيس» حكم إحدى وستين سنة،
«يناس» حكم خمسين سنة وشهرًا، و«أسيس» حكم ٤٩ سنة وشهرين. وقد كان هؤلاء الملوك
الستة الذين يعتبرون حكامهم الأول، يطمعون باستمرارٍ في محو الشعب المصري، وكان
شعب هؤلاء الغزاة يُسمَّون «هكسوس»، ومعنى الاسم «ملك الرعاة»؛ وذلك لأن كلمة «هك»
معناها في اللغة المقدسة «ملك»، أما كلمة «سوس» فمعناها في اللهجة الدارجة «راعي»
أو «رعاة»، ومن ثَمَّ كانت الكلمة المركبة «هكسوس»، ويقول البعض: إنهم «عرب». ثم أكمل بألفاظه هو قائلًا: وعلى أية
حال، فإنه جاء في نسخة أخرى أن كلمة «هك» لا تعني «ملوكًا»، بل تدل على العكس على
أن الرعاة كانوا «أسرى»، وهذا الرأي يظهر لي أكثر احتمالًا وأكثر موافقةً للتاريخ
القديم.. ثم في الفقرة الموالية يحلِّل «يوسيفوس» ما جاء في «مانيتون»: وبعد ذلك قام ملوك إقليم «طيبة» وسائر
البلاد المصرية بثورة على الرعاة، وشبَّتْ نار حرب عظيمة طالت مدتها، ويقول إنه في
عهد ملكٍ يُدعَى «مسفراجموثيس» هُزِم الرعاة وطُرِدوا من مصر كلها، وحُوصِروا في
مكانٍ يُدعَى «أواريس»، ومساحته عشرة آلاف «أرورا»، وكان الرعاة كما ذكر لنا
«مانيتون» قد أحاطوا كلَّ هذه المساحة بجدران عظيمة مبنية حماية لكلِّ متاعهم
وغنائمهم. ثم يستمر قائلًا: إن «توموسس » ابن «مسفراجموثيس» حاصَرَ الجدران بجيشٍ
يبلغ ٤٨٠٠٠٠ رجل، وحاوَلَ أن يجعلهم يستسلمون بالحصار، ولكنه لما يئس من بلوغ غرضه
عقد معهم معاهدة تقضي بأن يخلوا كلَّ أرض مصر، وأن يذهبوا حيث شاءوا دون أن يضيق
عليهم، وبمقتضى هذه الشروط غادر مصر ما لا يقل عن ٢٤٠٠٠٠ من الأسرى جميعًا يحملون
متاعهم، ومخترقين الصحراء إلى «سوريا»، ولما كان الرعب قد أخذ منهم كلَّ مأخذ
خوفًا من بطش الآشوريين الذين كانوا في خلال هذه الفترة أصحابَ السيادة في «آسيا»،
فإنهم أقاموا مدينةً في الإقليم الذي يُدعَى «يودا»، صالحةً لإيواء جمعهم الهائل،
وقد أطلقوا عليها اسم «أورشليم».
- حسنًا ما المشكلةِ في حديثه؟
= لو قرأت موسوعة مصر القديمة ستجد أنها ذكرت نفس النص الذي قرأتها لك الآن على
لسان (يوسيفوس) لكنه القى في نفس الكلام عدة إسقاطات مفادها أن هناك عدة تناقضات[5]،
لكن الأفضل من ذلك هو الأبحاث الحدية الموثوقة، فقد نفت دخول الهكسوس بالقوة من
الأساس
- حسنًا لِمَ سيقوم رجلًا كهذا بالكذب كذبةٍ كتلك؟
= لقد قال هذا النص في كتابه الشهير "الرد على أبيون"[6]
وإن كنت لا تعلم من هو أبيون، فهو مؤرخٍ إغريقي يكره اليهود، وكرهه لليهود سيطر
على أفكاره لدرجة أنه كان يلحق لهم كل عيب ونقيصة ممكنه، فقام يوسيفوس بكتابة هذا الكتاب وأدعى أنه نسخ كل
حديثه من كتاب "تاريخ مصر (Agypriaca) لـ مانيتون ثم أخذ اقتباس قائلًا فيه ما سبق
وذكرته وقد قال هذا تفاخرًا بأجداده، يريد أن يقول أن أجداده اليهود استطاعوا غزو
مصر بعظمتها والكثير من الترهات.
- حسنًا هذا بالنسبةِ للرأي الأول ماذا عن الرأي الثاني
= الرأي الثاني نبدأه بـ كتاب التاريخ المصور لمصر القديمة لـ كارلو ليو ردا
ترجمة ابتسام محمد عبدالمجيد تحديدًا صفحة 40 والذي قال فيه "لقد غزا
الهكسوس مصر دون اراقة الدماء"[7]
- أوليس من المرجح أن يكون رأي يوسيفوس هو الصواب رأي ذلك الرجل هو الخطأ
= حسب العلم الحديث لا.. لقد دخل الهكسوس على فترات، بل فتراتٍ طويلة جدًا، بعض
المصادر تقول 50 سنة والبعض الآخر يرجح أنها أكثر من هذا، ولم يدخلوا
فقط بل دخلوا وتشبهوا بالعادات المصرية القديمة وتقاليدهم بشكل نسبي كبير..[8]
الأمر الثاني ببساطة القول أن الهكسوس[9]
مكثوا عند منطقة تُسمى " فرعشة" "وتل الصحابة" عند مخرج وادي الطليمات وفي
بوباستس وانشاص وفي تل اليهود على بُعد 20 كم شمال هيليوبوليس ثم ظل
هذا الزحف كما قلتُ سابقًا ما يقارب من 50 سنة ولربما أكثر كمان قُلتُ سابقًا حتى
ينتهي
سنة 1675 قبل الميلاد تقريبًا في عهد الملك رقم 23 أو 24 في قائمة ملوك الاسرة
الثالثة عشر وهو الملك ديدومسيو الأول و البعض بيقول انه نفس الملك الذي قال
مانيوتن عليه أنه الملك توتيمايوس.. [10]
هناك أقاويل من مصادر تاريخية أخرى تقول أن هذه المسيرة والتشبه بمعتقدات المصرين
كل هذه المدة بطريقةٍ ما حفروا لأنفسهم فيها قوى سياسية جبارة ومع ضعف الحكام في
هذا العصر الانتقالي ساعدهم على امتلاك الحكم، لكن، وتلك الـ لكن مُثيرةٌ للجدل
لكني أصدقها، لم يمتلكوا مصر بأكملها، فما حكموه كانت أجزاءً من الدلتا، وباقي
القصة أنت تعرفها بالطبع الناحية العسكرية أتت بعد انتهاء المهمة السياسية في
الدخول
- تريد أن تقول أن الدخول كان سياسي أما البقاء فقد كان حربي، لكن ما قصدك بأنهم
لم يحكموا مصر كلها؟
= أما سؤالك فله مقابلةً أخرى، دعنا في العملِ الآن، تحليلك صواب هذا ما سنفعله،
دعنا لا ننسى أن ما ساعدهم في الاحتلال أن تقنياتهم كانت أقوى وأحدث بكثير غير وضع
الحكام طبعًا، فقد كان الهكسوس بالنسبةِ للمصرين يمتلكون قواتًا خارقة، فقد كان
المصريين بارعين في ترويج الخيول، لكنهم لم يكن يستخدمونها كأسلحةً للحرب، أما
الهكسوس، فقد دخلوا عليهم بالعربات الحربية، سرعةً رهيبة وغريبة بالنسبةِ للجيوش
المصرية، غير استخدام الهكسوس لسيوفٍ وخناجرٍ من نوع مختلف مميزٍ بالطبع بعيدًا عن
الدروع ونوع القوس المستخدم الذي كان يُسمى القوس المركب وقد كانت من مميزاته أن
يضربَ بشكلٍ أقوى ومسافةٍ أبعد دون أن يتعرض لك العدو من الأساس، بالطبعِ ناهيك عن
الحصون التي كان يبنيها الهكسوس مقارنةً بحصون المصريين في تلك الفترة، أي لم يكن
هناك فرصةً للمصرين أمامهم..
وبالطبع لم يكن الرأي الثاني مُدعمًا بالتاريخ فقط بل كان مُدعمًا من الناحية
العلمية أيضًا.. فقد تحدث في هذا الأمر دورية بلوس وان في دراسة[11]
جديدة انتشرت في فترةٍ ما، وقد كانت دراسةٍ عظيمة ويكمن عظمتها في استخدام العلم
لإثبات التاريخ فقد استخدمت تقنية حديثة لفحص الأسنان ومع القليل من الأدلة
استطاعت نفي كُل ما كان يقال عن الغزو الدموي الهكسوسي لمصر ويترأس هذه الدراسة
عالمة الآثار الشهيرة "كريس ستانتس" وقد صرحت بتلك الدراسة من داخل جامعة
بورنماوث الإنجليزية، هي وزملائها..
ما فعلته تلك العالمة هي أنها أخذت القليل من الأسنان الموجودة في بعض من الهياكل
العظمية المدفونة في أفاريس وبالطبع سأختصر لك الأمور وكانت الدراسة من أجل أخذ صورة
موحدة عن الهكسوس..
كانت التحاليل تتركز على قياس تركيزات معدن السترونتيوم[12] وإن
كنتَ لا تعرف هذا المعدن فببساطةِ القول أنك في مرحلة الطفولة حين تبدأ أسنانك
بالنمو، يكون بها كمية صغيرة من هذا المعدن، وهو ببساطة القول بمثابة بصمة
بيولوجية ومساحة تخزين لطفولتك، فيقوم بتخزين مغذيات الطفولة بالكاملة ولا يمكن أن
يتشارك اثنان نفس البصمة ولا حتى ضرسان في نفس الفم.. أنه بعد وضع كمية صغيرة من
بقايا الطعام مع مينا الأسنان[13] وبعدها
يقومون بعمل مقارنة بين نظائر السترونتيوم في مينا الأسنان بالتربة الموجودة وبناء على تلك
المقارنة يحكمون على المكان الذي نشأ فيه هذا الشخص..
قامت "ستانتس" وزميلاتها بفحص أسنان ستة وثلاثين هيكل عظمي مدفون في
أفاريس خلال 350 سنة قبل استيلاء الهكسوس على السلطة واكتشفوا أن 24 فرد منهم
ذكورًا وإناث ولِدوا خارج البلاد في الأساس، بالطبع النتائج لم تقل لنا من أين هم،
لكن قالت لنا أن مصر رحبت بهم كمهاجرين لمئات السنين قبل وصولهم للسلطة.
نفس تلك الأبحاث قالت أنهم أخذوا عينات من أسنان 35 مومياء أخرى، لكن من فترة حكم
الهكسوس ومن نفس المكان "أفاريس" والبيانات أظهرت نمط مماثل من الهجرة
بعد وصلهم للسلطة..
تقول باحثة ما بعد الدكتوراة في قسم الآثار والتاريخ بجامعة بورنماوث "كريس ستانتس"،
وهي المؤلفة الأولى لتلك الدراسة: إن الفريق البحثي وجد دلائل على حركة هجرة طويلة
الأمد في الحقبة الفرعونية الوسطى، نفذها الهكسوس من مكانٍ ما في آسيا إلى مصر.
وتشير "ستانتس" في تصريحات خاصة لـ"للعلم" إلى أن الدلائل
"تدعم النظريات القائلة بأن الهكسوس لم يحكموا مصر أو يصلوا إلى كرسي الحكم
من خلال العنف أو الحرب".. وهذا يتفق مع ما كتبه المؤرخ الأشهر
مانيتون"، تقول "ستانتس"، التي تُشير إلى أن ذلك المؤرخ هو أول مَن
أشار إلى أن الهكسوس لم يغزوا مصر بالجيوش.. لكن بالاستيلاء المتدرج على السلطة.[14]
= أخلاني فهمتك، لكن يبقى السؤال هو متى ستبعد "ديمون" عن تلك الأرض هو
واصدقاءه، فما داموا موجودين لن نستطيع التودد إلى الجماد بداخل تلك الأرضِ حتى
- هذا يحتاج القليل من الوقت سأدبره أنا بمعرفتي، لكن تريد أنت أن تجمع رجالك
وتنتظر إشارتي بالخطة الفعلية، سنسير على منوال الهكسوس، لطالما نجحت تلك الخطة،
على مدار التاريخ
= هكذا أحتل بني صهوين أرض "فلسطين" أيضًا
- ليس ذنبهم بالكامل، فلم اقرأ عن أحد استطاع مقاومة هذه الإستراتيجية لذا هي
الأكثر تناسبًا معنا لبدأ تحركاتنا.. أنهى تلك
الجملة ثم أتت ريحٍ شديدة في المكان، شتت الرؤية تمامًا، وأثارت الفوضى في الغرفة
من أثار الرياح، وما أن هدء كل شيء، حتى أختفى الرجل وكأنه لم يكن هنا.. كان عبد
الرحمن مذهولًا من هول ما حدث، وقف قليلًا يستوعب هذا الموقف بأكمله ثم سرعان ما
تذكر رجاله فهاتف سريعًا أحد هؤلاء الشباب، لكن الشبكة كانت خارج مجال التغطية،
فقرر الإنتظار ليرى ما حدث مع هؤلاء الفتية وماذا سيفعل..
[1]
من هنا لحد الجملة اللي بتفصل الفصول ببعضها، عبارة عن درس تاريخ
بيحكي لك دخول الهكسوس، وملخص طريقة إحتلالهم لأرض المجهول، وللعلم دا نفس الإسلوب
اللي اليهود إحتلوا بيه فلسطين.. لو حابب تقرأ هتستفاد، مبتحبش التاريخ، كلهم 6
صفحات مش هيأثروا على على القصة اتخطاهم (لكن أتمنى لو تطلع من الرواية مستفاد من
كل زاوية)
[2]
بالبلدي كدا عاوز يقولك إن المشقة دخلت الشقة والحاكم راح على اللوبي.
[4]
موسوعة مصر
القديمة (الجزء الرابع): عهد الهكسوس وتأسيس الإمبراطورية
[6]
كتاب Josephus' Against Apion وتستطيع تحميله من هنا، واختصرتلك اللينك علشان تعرف تكتبه
https://is.gd/CC2mMT
[7]
ركزلي من هنا بقا علشان هتتلغبط، هو آه في دم وليلة طويلة بس مش مع
دخولهم.. اقرأ وهتفهم.
[8]
هحطلك مصادر كتير تدعم كلامي يبقى شوفها بحيث تطمن، وهحب جدًا تتواصل معي
ونتناقش في الموضوع دا
[10]
وباقي المصدر
بيتكلم عن اخر حاكم عاصر الهكسوس وانه المعلومات بتاع الاسرى او باقي المعلومات
يعني اختفى فجأة المهم.. وزي ما قولت كل المصادر هحطهالك في
نهاية الفصل.
[11]
رابط الدراسة بالكامل من الجريدة المذكورة خش اقرأ بكل التفاصيل بقا: https://is.gd/1IkNbN
[12] المصادر دي عبارة عن أبحاث مجانية ومدفوعة فيها
كل المعلومات اللي تحتاجها عن المعدن دا
https://is.gd/amNVqM
https://is.gd/yC04Ri
https://is.gd/d08cnF
https://is.gd/yC04Ri
https://www.nature.com/articles/sdata2017181
https://www.nature.com/articles/jes201271
https://pubs.acs.org/doi/abs/10.1021/es4018688
https://heb.fas.harvard.edu/press4
[14] ودي شوية مصادر تانية: موسوعة الفراعنة پاسكال ڤيرنوس وجان
يويوت، ترجمة د. محمود ماهر طه، نشرته دار الفكر للدرسات والنشر والتوزيع عام
1990.
كتاب Encyclopedia of the
Archaeology of Ancient Egypt
http://islamport.com/d/3/amm/1/255/3260.html