قبلك لم أكن - أمل محمد

من وأنا صغيرة كان عندي هواية الرسم بحب ارسم بس عمري م قولت لحد عليها، بس لما كان بينطلب مني اي رسمه في المدرسة كانت المس بتاخدها علشان بتعجبها اوي، بس مكنتش حاسه نفسي فيها اه عندي قدرة اني ابدع رسمة من وحي خيالي بس معنديش حد اوريهاله.
من أول ما عرفت أمسك القلم وبقيت بكتب أمنيات مبتتحققش في نوت صغيرة خاصة بيا، زي إن يطلعلي جناحات واطير المس النجوم والمس السما، الاقي حد يكون ونس ليا، يكون عندي بيت لوحدي عملاه زي م بحب، أفصل فساتين تليق عليا، اغير من ستايل شعري، يكون عندي حبيب محدش يعرفه غيري او محدش بيحبه غيري.

- حابه تاخدي حاجه تانيه يا فندم؟
- لاء شكرا. 

اشتغلت كذا حاجه كان نفسي فيها، روحت كورسيز للإسعافات الأوليه واشتغلت شبه ممرضه، اشتغلت في مكتبة لبيع الكتب، ومحل لبيع الورد، اتعلمت التفصيل وكان أول فستان اعمله كان لنفسي، روحت وريته لماما قعدت تقولي حلو بس نا كان نفسي حد من نفس عمري اوريه انجازي ينبهر بيا، انا اه عملت كل اللي نفسي فيه بس مكنش معايا حد اقوله اني عملت كذا وكذا، اني حققت حاجه وبشاركه فيها في كل وقت وفي اي وقت. 

مجرد ما الإنسان بيحقق حاجه كان نفسه فيها من زمان بيحس إنه عنده جناحات، مبيقدرش ساعتها يطير بيها بسبب إن محدش واقف تحت وبيسقفله. 

- لو سمحت الكاميرا دي بكام؟
- مكتوب عليها.
ادتله حقها واخدتها ومشيت، أنا مبعرفش اصور اوي بس بحب التصوير وبحب اللي بيعرفوا يصوروا.
رجعت البيت، لقيت ماما مستنياني وبتسألني عن يومي كعادتها، أنا اه بروح احكي لماما كل حاجه بس حاسه ان في حاجه ناقصه، يمكن لو كانت من نفس عمري كانت هتختلف، بعد م خلصت قالتلي: 
- هنروح نقعد اسبوعين عند خالتك 
قبل م أرد قاطعتني- هتيجي معايا مش هسيبك لوحدك 

أنا محتاجه شيء مش عارفاه، ونس؟ أمان؟ مش عارفه، بس هو ناقص في حياتي أنا حياتي كامله من ناحية حاجات مش موجوده عند حد وواثقه من دا، في حزن خفي أنا مش قادره احدد سببه، أو بقول لنفسي كدا علشان مركزش فيه، أركز مع حاجه مش موجوده ليه وأنا عندي حاجات غيرها، هي اه مش قادره تمحي الإحساس اللي مخلي فرحتي بأي حاجه مش كامله.

حطيت الهاند في ودني وانا راكبة العربيه وسانده ع الشباك وطلعت كتاب قواعد جارتين وقعدت أقرأ فيه لعند م استوقفتني جملة " ليس على الأبطال أن يحققوا الانتصار كل مرة طالما نالوا شرف المحاولة " جملة واقعيه جدا مش مهم احقق مكسب، ومش مهم احس اني افضل من غيري، في كتير افضل مني اهم حاجه اني حاولت، لو مكنتش حاولت كنت هحس اني فيه حاجه فاتتني كان لازم احاول واجرب هيحصل ايه لو فشلت؟، كنت دايما بمشي بالمقوله دي حاولت اعمل كل اللي نفسي فيه واعيش حياتي، اعمل حاجات مختلفه جايز يكون حد عملها قبل كدا وافضل مني لكن مش مهم اكون الأفضل المهم اني اكون الوحيده اللي نلت شرف المحاوله ع القليله، لكن الشعور اللي جوايا كان كفيل انه يجعل فرحتي مش كامله.
وصلنا بعد ساعات قدام بيت خالتي، سلمت عليهم وسحبت نفسي منهم وطلعت علي سطح بيتها، عمري م كنت بحب التجمعات دايما بميل للوحده واني افضل لوحدي وعلشان كدا ماما بتحاول معايا بتحاول تحسسني اني مش لوحدي وانها جنبي بتحاول تخليني اتجمع مع ولاد خالتي اكتر واكتر ولكن ميولي كان اقوي من محاولات ماما معايا.
طلعت ع السطح، ومأخدتش بالي من يوسف وصاحبه اللي قاعدين، كنت هنزل ووقفت بسبب يوسف اللي نده عليا، انا كان ايه اللي طلعني من الأول بس م كنت فضلت قاعده معاهم! 
- وصلتوا امتى؟
- من شويه
تلقائي لقيتني ببص لصاحبه اللي بيكتب حاجه وهو حاطط الهاند ومش مركز معانا، مش عارفه ليه بميل للناس اللي بتبقا في عالم لوحدها زيي كدا مجرد م بشوفها بحس براحه، يمكن علشان شبهي؟
خبط على كتفه علشان يبصلنا، أول م شوفت عيونه قلبي دق فتخضيت، وقف قدامي كان طويل أطول مني، كنت خايفه منه فرجعت لورا خطوتين غصب عني، مد ايده يسلم عليا، فضلت باصه لإيده وساكته سحبها تاني، وقبل م يوسف يتكلم فونه رن فرد عليه بعيد عننا وسابنا، مكنتش عارفه اتصرف ازاي ولا عارفه افكر، امشي ولا افضل واقفه لعند م يوسف ييجي، قررت اني هفضل واقفه واشغل نفسي عنه بصيت للسما بحاول اشتت تركيزي لقتيني تلقائي رجعت ابصله لقيته سرحان وهو بيكتب حاجه، فنزلت بسرعه قبل م حد منهم ياخد باله. 

خالتي ورتني الأوضه اللي هنام فيها، ولقيتها بتقول: 
- عمر انت جيت ايمتى
- من شويه كنت ع السطح مع يوسف
-حضنته وقالت - حمد الله ع السلامه ي حبيبي
كل دا بيحصل تحت نظرات اندهاشي، لعند م تقريبا اخدوا بالهم اني واقفه قالتلي - دا عمر ابن سلفي الله يرحمه كان بيتعلم برا وعايش مع عيلته هناك لعند م توفاهم الله فرجع علشان يعيش معانا هنا. 
- ااه، ربنا يرحمهم ويغفرلهم ويصبر قلبك عليهم 
رد عليا وقالي - شكرا، آمين يارب 

اكتشفت ان اوضته قصاد اوضتي فرحت لسبب ما مش عارفه ليه، 
عملت قهوة وطلعت علي السلم اللي بيوصل للسطح، بصيت من ورا الباب ملقتش حد فتنهدت براحة ووقفت قريب من سور السطح، مسكت الكاميرا وحاولت اصور السما معرفتش، شربت بوق قهوه واتخضيت لما حد خد الكاميرا من ايدي - بتتمسك كده.
قلبي دق تاني لما بصلي، توهت في عيونه، بعدت عنه وبصيت لمكان تاني غيره.
- لو حابة تتعلمي التصوير اعلمك
عديت لعند عشره علشان اهدي- مش عاوزه شكرا 
اداني الكاميرا - براحتك 
اخدتها ونزلت، نا كنت بجري علي السلم، دخلت الأوضه، وقفت قدام المراية بصيت لقلبي تحديداً، بيدق جامد وكأن بيني وبين عمر دا صله او نعرف بعض قبل كدا، شكله مش غريب عليا ولا عيونه.

خالتي دخلت فبصيت ناحيتها لقيته واقف وراها، اخدت نوت من عندي وخرجت سابت الباب مفتوح، وهو فضل واقف، كنت عاوزه اعيط ومش عارفه السبب، اجري اقفل الباب في وشه طيب ولا اعمل ايه وفي نفس الوقت كنت عاوزاه يفضل واقف لعند م مشى.
تاني يوم صحيت الصبح، دخلت المطبخ اعملي كوباية قهوه لقيت خالتي صاحيه - كويس انك جيتي خدي كباية القهوه دي لعمر 
-فين! 
- في اوضته.
- طيب
دخلت وحطيت القهوه قدامه - اتفضل 
- شكرا، تسلميلي
يعني هو دا وقته يحط ياء الملكيه يا ربي بقا هو فيه حد بيكون لسه صاحي وقمر كدا، فضلت متنحه شويه لعند م انتبهلي وقالي محتاجه حاجه، اتوترت جامد من نظرته- لاء شكرا، وخجرت بسرعه.

أنا بحب شروق الشمس، بحسه فرصة لبداية جديدة ومحاوله جديدة وولادة أمل جديدة، دليل على إن الضلمه مهما طالت لازم ييجي بعدها نور ينوّر الحياة والطريق.
طلعت بفنجان القهوه والكاميرا معايا على السطح، لقيته واقف بحلاوته وقميصه اللي كان بيطير من الهوا، انا يمكن جربت مشاعر كتير الا شعور اني احب، انا كنت مبسوطه بالشعور دا ومكنش عندي استعداد اخسره لأنه جميل اوي، قصدي على الشعور 
قربت اكتر ووقفت جنبه، فضلنا ساكتين فحطيت الكاميرا قدامه، مسكها وسألني- تتعلمي؟
هزيت راسي بأه، بقينا بنطلع سوا، نشرب القهوه سوا، او أنا اللي بشاركه القهوه اللي بعرف أعملها، قربنا من بعض اكتر، اقصد بقينا صحاب يعني، بقا بيستناني دايما، اتعلمت منه التصوير وأول صورة صورتها كانت عيونه، وبعدها وهو واقف.
محمود درويش كان بيقول: صغير هو القلب قلبي، كبير هو الحب حبي، يسافر في الريح، يهبط، يفرط رمانة، ثم يسقط في تيه عينين لوزيتين، ويصعد في الفجر غمازتين، وينسى طريق الرجوع إلى بيته واسمه، صغير هو القلب قلبي، كبير هو الحب"، بصيت له وابتسمت بعدها.
- بيعجبني لبسك بحسك جايه من أيام التسعينات.
- كان نفسي اعيش فيه، في شوارع القاهرة القديمه بالأخص، وعلشان اسمع برضو جملة صباحك سعيد يا هانم من حد بيهديني وردة.
- علشان كده لبسك كله فساتين قديمه؟
- أنا اللي عملتهم بإيدي.
- بتعرفي! 
- أنا عملت كل حاجه نفسي فيها يا عمر، اتعلمت التفصيل لإني حباه وحبه نظام لبس مش موجود منه حالياً، فحبيت اعملهم بنفسي
- كويس انك بتحققي كل حاجه نفسك فيها.
كنت هرد لولا يوسف اللي جه قعد جنبنا، قال- بقيتوا بتقعدوا كتير من غيري، باركولي لإن معاد فرحي اتحدد خلاص.
مسكت خدوده وأنا بضحك- مش مصدقه إنك هتتجوز والله، كبرت ما شاء الله.
- والله أنا اللي م مصدق، دي وقعتني على وشي حتة واقعه!
- اي ده؟ كنتوا بتحبوا بعض من زمان؟ 
قعد يحكيلنا حكايته، تخيلت في يوم حكايتي أنا وهو تتحكي زي يوسف وريم، مش مهم تتحكي المهم أحس بيها انا، احس بإحساس الفوز بحاجه بقالي فترة بتمناها، الفكره مش في الأمنيه نفسها، الفكره في الفرحة اللي بتيجي يوم م بنلمسها مبتتنسيش، ويمكن الحب بالذات بيبقى اكتر أمنيه الواحد بيفرح بيها لما يلمسها.

- بتعملي ايه؟
بصيتله وابتسمت - كيكة بالشيكولاته 
- اممم عظيم متنسيش نا عايز ادوقها اول واحد 
ضحكت وقولتله - حاضر 

ضحكتها جميلة اوي، هي كلها على بعضها جميلة ازاي لسه في حد بالجمال دا والطيبه دي، رموشها، عيونها، كفيلة انها توقعك فيها بلون عيونها العسلي الجميل.
لقيته سرحان فيا اتحرجت وبصيتله- في حاجه يا عمر
- هاا، لاء مفيش أنا مستني الكيك اوكي.
- تمام متقلقش هدوقهالك اول واحد 
- وعد 
ابتسمتله - وعد
خلصتها وروحت ادوقه زي م وعدته، بس ملقتهوش لفت نظري جواب مكتوب شبيه لأيام التسعينات وجمبة ورده، فضولي شدني اني اشوفه، فتحته 
" أعلم أن من ضمن أمنياتك الصغيرة والجميلة أن يُهديكِ أحدهم ودرة، وودت الآن لو أنني اقف أمامك، أضع شعرك خلف أذنك وأضع عليه الوردة، أعلم أنك تحبين الورد لكنني أحبك أكثر، أردت أن اهديكِ إياها إلى أن نكون معاً.
صباحك سعيد يا هانم".
صوت فيروز جاي من البلكونه بيدندن: لفتة من بعيد بتكفيني وقلبي إلك على طول". 
قفلت الجواب وكنت حاسه إني شوية وهطير، الحب فعلا بيحيي القلب، بيخلي الحياة بسيطه وجميلة، أنا كنت بخاف من الحب وسيرته فاجأه بقيت شايفه الدنيا لطيفه وتتحب وانا بقيت بحب! خرجت وقعدت قدام ماما وابتسمتلها كنت عاوزه اقولها شكراً انك خدتيني معاكِ المرادي.
سبتهم وطلعت فوق علي السطح ب الكيك ملقتوش زعلت ولسه جايه انزل لقيته طالع، افتكرت الجواب وابتسمت وبعدها بصتله بملامح عاديه 
ابتسملي وفضل ساكت شويه وبعدها سأل - ملقتيش حاجه في اوضتي؟
عملت نفسي بستهبل وكدا - حاجة ايه؟ 
- حاجه كدا يعني. 
- حاجه زي ايه مثلاً؟ 
- وردة.
شبكت صوابعي في بعض وابتسمت - وجواب؟ 
ابتسم ابتسامه واسعه ف اديتله الكيك ومشيت، وقفني صوته وقالي- مش تستني تسمعي رأيي.
ابتسمتله وبصيت بمعني ايه رأيك 
- تسلم ايدك تحفه بصراحه
ابتسمت بفرحه بانت على ملامحي - سلمت من كل سوء وأذى. 
وهمست - عقبال م اعملهالك في بيتنا 
- بتقولي حاجه؟
- هاا، لاء مفيش بقول شكراً 
ضحك كدا بخبث وبصلي - سمعتك على فكره
- دا بجد ينهار أبيض انت بتهزر صح قول انك بتهزر
ضحك بكل صوته - مبهزرش أنا فعلا سمعتك
وشي قلب ألوان طبعا ولسه جايه أمشي، لقيته مسك ايدي وبإبتسامه هاديه وبكل حنيه قال:
- وانا نفسي تعمليهالي في بيتنا، نفسي اصحى على عيونك الحلوين واقولك يسعد صباحك يا هانم، نفسي تكوني جنبي ونكمل الباقي من عمرنا سوا، موافقه تكوني معايا وليا وللأبد؟
بصيتله وعيوني مدمعه وهزيت راسي بأه. 
جربت كل المشاعر بس كان الطفهم لما حبيتك، لما بدأت احب الحياة بوجودك واتنفس من تاني، احس ان وجودي يفرق مع حد، مجرد بس لما بتخيل إن فيه حد قلبه بيدق علشاني بحس بشعور لطيف أوي.

"قبلك، لم أكن أدري كيف تُعاش الأيام، وكيف أن الأمان يُخلق ف يُطوى به باقي العُمر".

أمل محمد.
الكاتب الرمادي

إن لم ترى نفسك في عيون الآخرين فأعلم أنك لم ترى نفسك مطلقًا وأن عقلك يخدعك عن ما تعرفه عنك لا محالة.. فلم نخلق لنرى ما بداخلنا بل لننظر داخل الآخرين..

2 تعليقات

أحدث أقدم