دائما ما نحكم على الأشياء من ظواهرها..
نحن نراها بالعين التي نريدها نحن، بينما نتجاهل جميع الظروف المحيطة بها.
عندما جلست في إحدى الحدائق العامه أراقب من بعيد ما يحدث ظننت بأن الجميع يعيش حياة سعيدة أو في الحقيقة هذا ما خُيِّل إليّ وأردت رؤيته.
جذب انتباهي تلك الفتاة الجالسة بمفردها والحزن بادٍ على وجهها، أعتقد أنني قابلتها في مكان ما لكن أين بالتحديد لا أتذكر.
أخذت أتابعها بنظرات ثاقبة دون الاقتراب منها خوفاً بألا تتقبل حديثي.
فتوغل الملل صدري، التقطت هاتفي وبدأت بتفقد ذلك البرنامج(الانستجرام)؛ حيث تظن بأن الحياة هناك من كوكب آخر؛ فالجميع سعداء.
فجأة ظهرت صور لها، توقفت والتفت بسرعة البرق إليها لأجدها هي.
فتحت تحديثها اليومي لأعرف ماذا شاركت اليوم، وجدتها شاركت العديد من الصور التي التقطتها داخل الحديقة، و كيف أن البسمة لا تفارق محيَّاها، ثم أنهت بفيديو قصير يصور الحديقة بأكملها، و كيف أنها تستمتع بنسيم الهواء العليل وهي ترتشف فنجان من القهوة.
تعجبت؛ فمن يرى ما قامت بمشاركته سيظن بأن حياتها سعيدة حقاً، لكن ما أراه أمامي عكسه تماماً، أنها فقط تحاول التخفيف عن ذاتها، فبكل تأكيد إنها تمر بوقت عصيب يجهله الجميع.
تذكرت حينها إحدى صديقاتي التي كلما شعرت بضيق وحزن عميقين كانت تكتب الفكاهات والألغاز على شبكة التواصل الإجتماعي فاتهمها البعض بأن حياتها سعيدة ولا يعلم أحد حجم الجحيم التي تحيا داخله.
فجال في خاطري لما نفعل ذلك؟!
أهو لتخفيف ما نمر به حقاً؟!
حتى أنا لا أنكر بأنني أفعله.. فقد أتظاهر بالضحك والركض والنشاط وداخلي بركان سينفجر.
وفي بعض الأحيان أُعد جلسة تصوير خاصة بي ولا يشترط أن أشاركها، فقد أفعلها لتخفيف ما أمر به، وأحياناً أخرى أقوم بحفلات موسيقية بمفردي.
والسؤال: ترى هل نفعل ذلك كي لا نشعر بشفقة الآخرين؟ أم لنبتعد قدر الإمكان عن ذلك السؤال اللعين كيف حالك اليوم؟!
في بعض الحالات نشعر برغبة بأن نُسأل هذا السؤال و ننفجر بصرخات ودموع؛ لتغسل الأوجاع التي تلتهمنا من الداخل، ولنسرد ما يحطمنا، ثم نمسح كل هذا من ذاكرة المستمع كي لا يسألنا فيما بعد عن حالنا ويذكرنا بما مضى، فنحن لا ننساه بل نحاول أن نتناساه ونتكيف معه.
و في بعض الأوقات أرغب بامتلاك قوة خارقة لرؤية حياة كل واحد كاملة من جميع زواياها السعيدة والحزينة ليعلم الناس بأن الجميع يمر بلحظات تعيسة أيضاً وليس كما يظنون بأنها سعيدة دائماً.
لنكف عن إطلاق أحكام مسبقة دون دراية عما يحدث خلف الكواليس وننشغل بحياتنا نحن فقط.
بقلم/ شروق صالح