حرب باندورا - الفصل التاسع

(في قصرٍ آخر في مدينة أخرى تعرفونه جيدًا يجلس في غرفته يفكر كالعادة ويبدو وكأنه ينتظر شيئًا منذ مدة وقد طال الإنتظار فقرر أن ينادي زوجته...
زيد: فريال! فريال! (كان ينادي بصوتٍ مرتفع، ونبرة الضيق ظاهرةً فيها بوضوح، لتجيب زوجته عليه وقد بدا عليها الخوف شيئًا ما من أن يكون قد حدث شيئًا آخر يخشونه، أجابته قائلةً: نعم يا زيد بتزعق لي
- مفيش حاجة جديدة جات
= لا للأسف مفيش حاجة جات
- وبعدين أنا كدا بدأت اقلق
= إن شاء الله خير يا زيد إن شاء الله، أنا مش خايفه يكون جراله حاجة، اللي خايفة منه يكون مش عايش أصلًا وإحنا اتضحك علينا
- ما هو دا اللي مقلقني، إحنا بعنا كل أسهمنا في الشركات بتاعتنا الشهر اللي فات، متبقاش إلا حاجات يدوب تغطي مصريفنا العادية بالعافية
= طب وهنعمل أي
- إنتِ بتسأليني دلوقت هنعمل، ما كان من الأول، قولتلك مليون مرة نعمل احتياطتنا، نخلي معانا فلوس للضرورة طب نتأكد نعمل أي نيلة، وأنتِ كل اللي عليكِ عُمر قلبي ما خاب في احساسه، خلي قلبك ينجينا بقا
= هو أنا كل ما أكلمك...
(شجار دائم بشكل يومي وروتيني متجدد لنفس السبب، لو أنهم تخلوا عن التذمر للحظات وفكروا في كل ما حدث بعقلانية، لما صمدت مشكلة أمامهم لأكثر من لحظة، لكن هذا ليس ذنبهم، فقد تتعدد مساوء ومحاسن الشخص ولكنه يبقى بشري مهما تغيرت عقولهم وطباعهم وفلسفتهم، فالبشر يبقوا بشر، دائمًا ما يحتفظون ببعض العيوب الغبية التي لا يفهم المرء كيف يكون هذا الشخص بذاته أن يخطأ مثل هذا الخطأ التافه، تتكرر تلك الجملة كثيرًا حتى انها تُقال لقائلها أيضًا، تُقال لأنهم فقط لا ينظرون من زاويةٍ جيدة، لا يهم...)
..................

(واقفٌ في مكتبه ينظر لصورة ديمون يتأملها في هدوء وهو يشرب سيجارة حاشيش، كانت تبدو على ملامحه علامات غير مترابط مشاعرها، لا يبدو عليه أنه مطمئن، ولكنه ليس قلقًا إلى حد ما، يشعر بشيء من السعادة تتعالى عليها أمواج الهزائم والإنكسار، مر خمس سنوت من لحظة خروجه من السجن، هو لا يعلم من أخرجه ولِمَ، لكن هو أخرجه، حتى أنه خرج ولم يقابل أي علامة تدل على السبب الموجه لخروجه، فلا أحد يخاطر بأقتحام أحد السجون الموجودة تحت الإرض ويقيم مجزرة، ويعيد فلسفة الإرهاب مجددًا، يخرج جميع السجون بما فيهم هو، كل هذا يبدو طبيعيًا، أو أن من اخرجه شخصًا يريد أحدهم فأضطر لفعل تلك الفعلة ليخرج جميع المساجين، لكن هو بالتحديد، من تمت له هوية جديدة وحياة جديدة خارج أراضي بلاده.. لم يكن يتلقى أي مهمات ولا أي شيء هو فقط خرج.. لكن يلعب القدر لعبته، ويخالف خطة من أخرجه ليجعل الشيخ "إسلام" يعمل مع عائلة "أرجوس" ويعتبرونه فرد منهم، شيئًا ما هذا الأمر جعل المهمة أصعب بعض الشيء.. )
كان ينظر للصورة في هدوء وهو يقول في نفسه: اليوم اللي خرجت فيه كان غريب أوي، الإسلوب كان مألوف ليَّ شويتين، الجرأة والدقة دي شبه مستحيل حد يوصلها برا عيلة ميدنس تحديدًا إنت يا "عز الدين" قالها مع ارتاجفةً لجفنٍ من عينيه وكأن ذاك الجِفن يقول كلاكيت مشهد الهروب من السجن مليار مرة.. أكشن:
كانوا يلقبون ذاك السجن " سجن ما وراء الأفق: ساحة عسكريةٍ كبيرة من الأعلى وأسفلها أظلم أنواع السجون، لا يدخله إلا السياسيين ذوي القضايا الحساسة، وهذا النوع من الرجال الذين يشكلون خطورة لمجرد معرفة مكان وجوده، سجنٍ لا يمكن للحشرات فيه أن تخطوا خطوةً بالداخل.. الأمر يبدو جنونيًا ومستحيل خروجه..
التوقيت الظهيرة: دخول مدرعتان للداخل وعربة تحمل مساجين جُدد، تم توزيع كل شخص في زنزانة منفردة بعد أن تم تفتيشهم تفتيشًا كاملًا..
كان الأمر بخير حتى مرت ساعتان، ثم حدث هجوم من بعض الرجال الإنتحاريين على المكان، قاموا بتفجير بعض المناطق في لحظة سهو بعض العساكر من المناوشات التي حدث..
هدأ الأمر قليلًا مرت ساعة كاملة، كان الأدرينالين مرتفع في أجساد الجنود متأهبين إن حدث شيئًا آخر، لكن بدأ روعهم يتراجع ويهدأوا قليلًا مرت نصف ساعة أخرى، ثم حدثت عدة مناوشات وإطلاق بعض النيران، قُتل سبع من رجال الشرطة وعدة إصابات بالغة..
يليها هدوء مدته نصف ساعة طويلة، ثم هجوم من عدد أكبر من الرجال الهجوم يتضمن الأربجيهات والقنابل، فتم طلب الدعم السريع.. الكثير من القتلى من الطرفين والأوضاع لا تبدو بخير بالنسبة لرجال الشرطة، المشكلة أن هؤلاء الرجال مدربون على كيف يتخطون الأسلحة الثقيلة، كانوا يتفرقون ويقتربون، غير أن هناك صواريخ بدائية الصنع كان يتم ضربها بكثرة من على بُعد 1 كيلومتر..
حتى أن بعض الجنود تفاجئوا من بدائية تلك الصواريخ وثمنها البخس فقد كانت مكونات صنع الصارخ كالتالي...
ماسورة من تلك التي يتم لف عليها القماش، يسمونها "توب" في اللهجة المصرية، من الكارتون هي، كان طولها 60 سم، أحد أطرافها مغلقة.. أما المكونات فقد كانت بسيطةٍ جدًا في كل صاروخ 930 جرام من نترات البوتاسيوم مخلوطٍ عليه 570 جرام من السكر، تتم بعض الخطوات السلسة ومن ثم توضع في الماسورة مع فتيل كهربي، حدد زاويتك وأطلق، تفجيرًا ليس قوي، وليس ضعيف.. لكنه يفي بالغرض، والأهم من ذلك يقوم بتشتيت الحضور..
تفاجئ الجنود بوابل من تلك الصواريخ على الموقع بشكلٍ رهيب، وما أن إنتهى ذلك الوابل حتى اقترب كثير من الإرهابيين من المكان..
كانوا يأتون بكثرة كالنمل، وبشكل إنتحاري مجنون غير مبرر غريزة الموت تلك، ولا مفسر شعورهم تجاه الإنتحار وكأنهم يستمتعون به أو يحرصون عليه..
أتى الدعم من رجال الشرطة بشكلٍ أسرع من المتوقع، رجال ملثمين ومُدربين بالكامل، أخذوا مواقعهم على شتى أنحاء الموقع، لم يمضي الكثير حتى أتى هجومٍ آخر لرجال أكثر بلغ عددهم لم تسمح لي الفرصة لعدهم لكنهم كثيرون، أظنهم بالمئات يظهرون فجأة الجنود تتسع أعينهم لا يدرون كيف ومتى حُفِرت تلك الخنادق اللعينة.
لم يكن يعلم أحد أن تلك الخنادق مقاربة من كل السجون مبنية منذ عقدان على الأقل كان يحتاج الأمر فقط حفر لثلاثة أمتار للأسفل حتى يمكن خروج من هم بالداخل وقد حدث هذا أثناء الإشتباك بالقنابل، تم فتح الخنادق بجوار السجون أصبح الرجال ينقضون من فوق وتحت الأرض على بُعد مئة متر من السجن بأقصى حد، أتت لهم تعزيزات أخرى لحظة الإشتباك..
أصبح الرجال يُضربون من الداخل ومن الخارج، وأصبح رجال الشرطة الموجودين بالخارج يُضربون من جماعات أخرى تم الإنتهاء من المعركة الخارجية ورجال الدعم أخذوا مواقعهم بالقرب من السجن بالداخل، والإشتباكات تصبح قليلة عددًا من الرجال متقاربة من الوقت.. دخل الليل ومعه السكون مُهِيب للضوضاء.. دقت الساعة الثانية عشر، وبدأت إنفجارات داخلية كثيرة لا يعلم أحدًا من أين أتت ورجال الدعم أنقلب بعضهم على بعض وهناك رجال أتوا من الخارج أقتحموا السجون..
أتضح أن بعض الرجال الذين دخلوا كمساجين كانت مهمتهم ليعلموهم عن مكان تلك السجون، وأن الدعم الأول لم يكن دعم بالشكل الذي بدا عليه لحظتها.. تم أقتحام السجون وهرب المساجين على عربات وجماعات متفرقة تم القبض على البعض وقتل البعض وهرب بالطبع في قلب تلك المعمعة البعض الآخر...
ولم يكن يعلم رجال الشرطة أن حتى من ماتوا من الجماعات والمساجين كان مُخطط لهم ، مات الكثير منهم نتيجة ضربة مدفعية.. فتت الجثث ودمرت معالمها تدميرًا، فلم يعد أحدًا يدري من مات ومن بقي حيًا، لكن الشيء الوحيد الذي اتفق عليه الجميع، هو تعجبهم من عدم تدخل عنصر الطيران مطلقًا رغم أن تلك كانت واحدة من أشد وأندر الغارات على تلك السجون...
رمشة عين أخرى تقول قطع.. وانتهى المشهد.
السؤال هنا: لي خرجتني، ولي دخلتني وبالطريقة دي أصلًا، المكان دا مستحيل كنت أدخله حتى بالقضايا اللي عليا، لي وديتني هناك تحديدًا.. لي دخلتني تفسيرها منطقي ومبرر، لي خرجتني، مش عاوز يدخل دماغي، أي تفسير غير منطقي حتى، مش عارف أقتنع أنك فعلًا مُت، علشان كدا دايمًا بتعامل إنك حي، مستحيل حد في عظمتك يموت بالسهوله دي يا عز الدين أو بالطريقة دي على الأقل، الموتة كانت هتكون فيها شيء من الواقعية بالنسبة لشخصيتك، تقتل كل اللي حواليك وتنتحر! غريبة شويتين.. اللي زيك لازم اللي كل المقربين منه يموته قدام عنيه غصب عنه، ميكونش قادر يحميهم..
السؤال هنا لو مش إنتَ اللي مخرجني، طب مين، ولي مظهرش لحد دلوقت، خمس سنين بسأل نفس السؤال دا الف مرة كل يوم وعاوز إجابة ليه، دماغي هتنفجر بسببه، فكرة إن حد عارف كل حاجة عني وأنا معرفش حاجة عنه مُرعبة، ومش منطقي يكون اللي مخرجني كان بيجرب أو ضل الطريق مثلًا!
أخرج من السجن ويتعملي عملية تجميل تغير معالم وشي بالكامل، على مدار سنتين معرفش حاجة فيها عن الدنيا ولا مكاني حتى، محدش بيرد على سؤالي ولا حد بيتكلم، يسيبني في أوضة لوحدي بيدخلي الأكل والشرب، حياة طبيعية لمسجون.. وفجأة أدخل في حالة أغماء أخرج منها بتغيير جديد، والتاريخ يتغير أسبوع في 3 أيام في شهر، تمنعت عن الأكل والشرب وبرضوا حالة الإغماء كانت بتيجي وكأن جسمي مسستم نفسه عليها.. الأوضة مقفولة من كل حتى ودا اللي كنت مستغربله بتخرجوني إزاي والأكل بيدخلي ازاي أنا فجأة بلاقيه جنب السرير وبدون أي سبب مُفَسر، الحاجة الوحيدة اللي كانت بتشتّتني هي المرايا دي كل مرة بيغمى عليَّ بلاقي فيه تغييرات ملحوظة في وشي.
وفي الآخر فجأة أصحى من النوم الاقيني كنت نايم في الشارع ومعي هواية جديدة تمامًا.. مين كان يتخيل إن واحد زيي يترمي في الشارع بالشكل دا..
أنا أترمي في الشارع.. أشق طريقي في بلد مش بلدي ولا أي حاجة أعرفها؟
 كل اللي اتقالي كان مُسجل في الآيفون اللي كان في جيبي ساعتها وكانت جملة واحدة مش هنساها أبدًا "اياك تتعامل على إنك إسلام علشان هتموت في ساعتها".. السؤال الأهم لو طلع إنت، المفروض أشكرك ولا اقتلك، ولي مخرجني أي المخزى، طب لو مش إنت أي اللي مخليك متظهرش لحد دلوقت طب مقابلك أي يا اللي خرجتني.. والأهم هل أنا مستعد أدفعه، طب ولو رفضت إنتَ معاك إي يجبرني؟
وكمان الإسم اللي ادتهولي؟ بيدل إنك مش بس عارفني دا أنت عارف كل حاجة عني حتى طفولتي...
وكمان اسراء دي، مشكلة تانية، مش المفروض كانت ماتت، إزاي شوفتها في المطعم، ومش مرة واحدة دا أكثر من مرة، الموضوع غريب جدًا ومخيف أكتر...
بينما كان يحدث نفسه دخلت السكرتيرة الخاصه به طرقت الباب فسمح لها ثم دخلت وهي تقول: مستر "عطيات" في حد مستنيك برا
= مين؟

الكاتب الرمادي

إن لم ترى نفسك في عيون الآخرين فأعلم أنك لم ترى نفسك مطلقًا وأن عقلك يخدعك عن ما تعرفه عنك لا محالة.. فلم نخلق لنرى ما بداخلنا بل لننظر داخل الآخرين..

إرسال تعليق

أحدث أقدم