و دقت العاشرة لـِ الكاتبة سهيلة آل حجازى ابنة الشريف الفصل الثامن "بداية النهاية"
(8) بداية النهاية.
كل البدايات تؤدي إلى نهاية واحدة، و كل النهايات تؤدي إلى بداية واحدة، الصبر مفتاح الفرج في هذه الحياة، و لا مجال لتغيير القدر، الأحمق لا يُسأل عن سبب عدائه لشخصٍ؛ لأنه لا يفقه ما يفعل.
جالسة بثبات لم تعر لتلك الحاقدة اهتمامًا، قررت أن تصمت حتى لا تقلل من قيمتها بين الجميع، تلك العيون الحاضرة تطالعها بصدمة تنتظر أن تقوم لتضربها أو تصرخ فيها، لكن على عكس توقعات الجميع ظلت هادئة مترابطة الجأش، كأنما ما حدث لم يحدث، بينما تلك الحمقاء تنظر إليها بغيظ و غضب عارم، لكن في الحقيقة اتضح أن القوة في الصمت خير من القوة في الرد.
دخلت المعلمة و أخذت تشرح الدرس و بعدما انتهت نظرت إلى شادن التي كانت شاردة طوال الحصة قائلة لها بهدوء...
-شادن، تعالي بعد الحصة للمكتب عايزاكِ
نظرت لها بشرود و وجه شاحبٍ، و لم تنطق ببنت شفه، كأنما هي داخل عالمٍ آخر، و عندما وقفت لتسير خلف تلك المعلمة، سقطت على الأرض مغشيًا عليها، اقتربت منها المعلمة بهدوء و رفعت جسدها عن الأرض لتلاحظ تلك الدموع التي تنساب على وجنتيها، صارخة في أولئك الطلبة اللواتي تجمهرن حولها...
-كل واحدة على مكانها و واحدة فيكم تروح تنادي للدكتور لو موجود..
قامت تلك الفتاة التي تجلس خلف شادن تمامًا و خرجت من الفصل، متجهة إلى حيث غرفة الطبيب و ما إن وصلت حتى وجدت الطبيب و
معه تلك الممرضة، كانت تلهث من أثر الركض، طرقت الباب و دخلت قائلة بتوتر.
-دكتور لو سمحت ممكن حضرتك تيجي معانا، زميلتنا أغمى عليها في الفصل.
نهض الطبيب من مكانه و اتجه مع تلك الفتاة إلى حيث الفصل، و في الطريق قابلهم هادي و نظر إلى تلك الفتاة قائلاً..
-شادن عاملة إيه دلوقتي؟!
-أغمى عليها..
لم تكمل حديثها، و اتجه ذاك المعلم إلى الفصل هرولة دون أن يستمع إلى بقية الكلمات، و ما إن فتح باب الفصل حتى وجدها مغلقة العينين، اتجه إلى تلك المعلمة قائلاً...
-هي أخدت علاجها؟!
-علاج إيه؟!، سألته بقلق و هي تنظر في عينيه..
لم يجبها و إنما فتح حقيبتها بقلق و توتر بادٍ، يبحث بيديه بين تلك الكتب و الأوراق عن علاجها فلم يجده، لاحظت المعلمة توتره الواضح فسألته بهدوء قائلة...
-علاج إيه؟!
-علاج السكر و القلب، قالها و هو ينظر لها بقلق، و هنا نظر إليه الطيف بصدمة، فلم يكن يتخيل بأن تلك الفتاة الصغيرة مريضة سكر و قلب، تألم قلبه، و سادن الشفقة عينيه، و تذكر بأن العلاج في تلك
الحقيبة التي كانت معها أمس، لكن كيف يخبرهم و هو ليس إلا طيف؟!
دخل الطبيب، و اقترب منها و فحص نبضها و صُدم..
-خير يا دكتور طمنا؟!
-يا أستاذة البنت نبضها ضعيف جدًا، و غير محسوس بالمرة، هو إيه إللي حصلها...
قالها الطبيب بعملية و هو ينظر إلى المعلمة من أسفل نظارته الطبية، فنظرت له المعلمة بهدوء قائلة..
-مش عارفه و الله، هي كانت قاعدة سرحانة طول الحصة و طلبت منها تيجي معايا المكتب، و فجاءة أغمى عليها.
-البنت لازم تتنقل للمشفى..
-أنا طلبت الإسعاف، و على وصول، قالها ذلك المعلم و هو يغلق هاتفه بهدوء شديد.
لم تمض عدة دقائق حتى وصلت سيارة الإسعاف و أخذوها و اتجهوا إلى المشفي، و عندما وصلوا كان ذاك الطيف يشعر بأن شيئًا ما يجذبه إلى الغرفة التي تحوي جسده، ابتعد عن تلك الغرفة و سار خلف أولئك الممرضين، و عندما دخل الغرفة لاحظ تلك الدموع التي تهبط على وجنتيها فاقترب منها و مسحها بحنان، و دموعه تنساب على وجنتيه، أخذ الأطباء يفيقون شادن و يعلقون لها المحاليل إلى أن بدأت تفتح عينيها أمام الجميع، لترى ذاك الطيف أمامها يبكي، نظرت له و على ثغرها ابتسامة راضية مطمئنه، و لم تتحدث، فاقترب منها قائلًا..
-أنا أسف، مضطر أمشي، بس عايزك تعرفي حاجة و هي إني بحبك.
كانت كلماته بمثابة صدمة لتلك الطفلة التي لم تعرف يومًا معنى السعادة، و التي كانت متأكدة من رحيله، فقد لاحظت خبي وميض طيفه بالأمس، نظرت له بحزنٍ و لم تتحدث لكن عينيها كانت تحدثه قائلة..
-سأنتظرك إلى نهاية العالم، سأنتظرك حتى بعد الموت..
اختفى، اختفى كأنه لم يكن موجودًا ذات يوم، ترك خلفه تلك الطفلة التي تعلقت به في عدة أيام فحسب، رغم أنها لم تعلم عنه شيء، كان ينظر إليها بحزن، لكنه لا يستطيع مقاومة جسده الذي يناديه مذ دخل، نظرت له بإبتسامة رقيقة هادئة و أغمضت عينيها لتغط في ذاك النوم، فُتح الباب و دخل والدها و القلق بادٍ على محياه، و اقترب منها و قبل رأسها و دموعه تنساب على وجنتيه.
-إيه إللي حصل بالظبط؟! كان ينظر إلى تلك المعلمة و ذاك المعلم بعينين تقدحان بالشرر..
-و الله ما أعرف حاجة، أنا طلبت منها تيجي معايا المكتب؛ علشان كانت سرحانه طول الحصة، و لما قامت وقعت و أغمي عليها.
أجابته المعلمة بقلق شديد، فنظر إلى هادي قائلًا...
-إيه إللي حصل يا هادي؟!
-بصراحة يا دكتور في بنت اسمها شجن قالتلها أنتِ تربية وسخة، و ضربتها..
-تمام، شكرًا لتعبكم معايا، ممكن تروحوا دلوقتي...
-مش قبل ما اطمن على شادن، قالتها تلك المعلمة و هي تُخفض رأسها في الأرض...
-مفيش داعي، هي شوية و هتفوق و هتبقى زي القردة...
قالها أسامة و هو يمسح بيديه تلك الدموع العالقة في مقلتيه، و على ثغره ابتسامة هادئة.
مضت ساعة و عادت شادن إلى منزلها بعدما استعادت وعيها، نظرت بعينيها باحثة عنه لكنها لم تجده، تأكدت بأن ما رأته كان حقيقة و ليس حلمًا، تجمعت الدموع في عينيها و لم تنطق ببنت شفه، كانت شاردة طوال الوقت، و عندما دخل أسامة بها إلى المنزل رأتها الجدة فطلبت من أسامة أن يتركها معها فوافق و غادر عائدًا إلى عمله...
-مالك يا شادن، و الغريب فين؟!
-مشي و فارق
أجابت شادن جدتها بشرود واضح، و كلماته تتردد في أذنها بهدوء شديد مثل صوت عقارب الساعة الذي يعد الثواني.
-هَيرجع، بس لما القدر ينفذ..
-قدر إيه يا جدتي؟! سألتها و هي تنظر في عينيها بوهن شديد..
-هتعرفي قريب قدر إيه يا شادن...
-كمليلي حكاية سندريلا يا جدتي...
ابتسمت الجدة بهدوء و نظرت إلى حفيدتها و أغمضت عينيها لتنتقل إلى تلك الحلقة الفارغة من حكاية السندريلا.
كانت سندريلا ترتدي ذاك الفستان بعدما عدلته و ساعدها في ذلك الفئران، و صففت شعرها الأشقر و تركته منسدلًا، و أخذت تلك الدعوى و هبطت إلى أسفل و ما إن وصلت و رأتها روز و بناتها حتى جُن جنونهم، و اقتربت منها روز و مزقت الدعوة، بينما مزقت كاترين الثوب و أخذت جانيت تسخر من تصفيفة شعرها، نظرت لهم سندريلا بضعف...
-ليه، ليه عملتوا كده؟!
-علشان الأمير مش هيتجوز غير واحدة من بناتي..
قالتها روز و أخذت كاترين و جانيت، و غادرن المكان و استقلوا العربة و اتجهوا إلى قلعة الحاكم حيث القصر الذي تقام فيه الحفلة، بينما تلك السندريلا خرجت من المنزل و اتجهت إلى قبر والدتها الذي يتوسط الغابة و جلست أمامه و أخذت تجهش في البكاء على ما وصلت إليه من حال.
فجاءة ساد ضوء فضي المكان و ظهرت تلك العجوز التي ساعدتها سندريلا من قبل في تناول الطعام واقتريت منها و وضعت يدها على شعرها بحنان قائلة...
-مالك يا سندريلا؟!
-قطعولي الدعوة إللي كنت هروح بيها الحفلة بتاعة الأمير، و الفستان، قالتها و هي تبكي بحرقة، فنظرت لها تلك العجوز قائلة..
-عايزه تروحي الحفلة يا سندريلا؟!
-آيوه، ده حلم من أحلامي إني أزور القلعة.
نظرت الساحرة حولها و رأت قرعة كبيرة الحجم، ثم أخرجت عصاها السحرية و أخذت تتلو التعويذة الخاصة، فتحولت القرعة إلى عربة مذهبة لها أربع عجلات، ثم فجاءة حولت الفئران إلى خدم لسندريلا، و الكلب إلى حصان، و جمعت الدعوة و أعادتها كما كانت، و نظرت إلى سندريلا قائلًة...
-دلوقتي تقدري تروحي الحفلة يا سندريلا...
-هروح ازاي يا بولت و أنا فستاني متقطع و شعري بايظ و جزمتي قديمة، قالتها سندريلا بحزن و هي تنظر إلى الساحرة، فابتسمت الساحرة و حركت عصاها و بدلت الثياب من ثياب مهترئة إلى فستان أبيض مطرزٍ بالجواهر، و رفعت شعرها و ألبستها تاجًا جميلًا به ريشة سلطانية، و أدخلت العربة، و انطلقت العربة طائرة في السماء إلى أن وصلت إلى القلعة و أعطت الدعوة إلى الحاجب و دخلت، ترجلت من العربة و سارت باتجاه مكان الحفل و ما إن دخلت حتى همت بالمغادرة بسبب العدد الضخم الذي رأته أمامها من الفتيات، تحركت سندريلا بعدما أفسح الجميع لها الطريق و بدأت تسير بخجل و فجاءة اعتدل ذاك الأمير في جلسته فور رؤيته لها و هب من على مقعده و اتجه إليها و انحني أمامها قائلاً...
-تسمحيلي بالرقصة دي؟!
مدت سندريلا يدها في خجل إلى ذاك الأمير و انحنت أمامه بهدوء و بدأ يرقصان، و أخذها الأمير و اتجها إلى حديقة القصر أمام ناقوس الساعة الذي يدق مرتين في اليوم، أخذا يتبادلان الحديث، و فجاءة دقت الساعة الثانية عشر و تذكرت سندريلا كلمات الساحرة..
-افتكري يا سندريلا إن مفعول السحر هينتهي أول ما الساعة تدق ١٢، و إنك هترجعي زي ما كنتي.
قامت سندريلا و تركت الأمير قائلة و هي تركض...
-أنا أسفة بس لازم أرجع دلوقتي..
أخذ يركض خلفها و هو ينادي عليها قائلاً...
-طيب اسمك إيه؟!
نظرت له سندريلا و فجاءة انخلعت فردة حذائها البراق الكريستالي، نظرت إلى الحذاء و همت بالرجوع إليه، إلا أنها لك تستطع و ركضت باتجاه العربة التي عادت بها إلى حيث قبر والدتها، و ما إن انتهى اليوم حتى احتفظت سندريلا بالفردة الأخرى ذو عادت إلى العلية، و في صباح اليوم التالي كانت سندريلا جالسة في العلية تغني بسعادة، بينما ذاك الأمير محتار في شأن تلك الجميلة التي كان يرقص معها، و عندما لاحظ الملك الأمر، قرر أن يذهب الوزير بفردة الحذاء على جميع فتيات المملكة و من تكون الفردة على مقاسها ستكون هي العروس، و بالفعل خرج الوزير و معه فردة الحذاء و اتجه إلى بيوت المملكة و أخذ يدخل كل بيت و يدع الفتيات يرتدينه، إلى إن وصل إلى منزل سندريلا و دخل و جربت الحذاء كل من كاترين و جانيت و لم يكن لهما، و فجاءة رأي الوزير سندريلا، فطلب منها القدوم كي تجربه إلا أنها رفضت، لكنه أصر عليها و هددها فخضعت له..
-لكن دي خدامه، ازاي تلبس الحذاء؟! قالتها روز بحقد وهي تنظر إلى سندريلا..
-لكن دي أوامر الملك و إللي بيعصي الأوامر بيتقتل، أجابها الوزير بحدة.
و بالفعل، تحركت سندريلا و ارتدت الحذاء، و ما إن وضعت قدمها اليمني فيه حتى استقرت في جوانبه، فابتسم الوزير قائلًا....
-أهلًا بمولاتي الأميرة..
-مولاتك؟! سألته سندريلا و هي تشير إلي نفسها بدهشة، فأشار لها مؤكدًا كلماته قائلًا..
-الأمير شار هيفرح لما يشوفك...
و بالفعل أخذها الوزير و اتجه إلى القصر، و ما إن دخلت إلى ذاك القصر حتى ابتسمت بهدوء، و فجاءة ظهر الأمير أمامها و ما إن رأها حتى اقترب منها قائلًا....
-ليه مشيتي امبارح؟!
نظرت إليه بعينيها الزرقاء و لم تتحدث فاقترب منها و أمسك يدها و قبلها قائلًا...
-تقبلي تكوني أميرتي؟!
أومئت له رأسها بسعادة و حب و تزوجت سندريلا من الأمير بعدما نفضت ذاك الرماد الذي تبقى من ماضيها لتبدأ حياة جديدة مع نفسها.
كانت شادن تستمع بإنصات إلى القصة التي أتمتها الجدة، و ارتسمت على ملامحها ابتسامة حزينة قائلة...
-تفتكري يا جدتي الغريب هيرجع؟!
-قلبه هيهديه، بس هيحتاج وقت يا شادن علشان يختار صح
أجابتها الجدة بهدوء، فقامت نسرين و اتجهت إلى غرفتها بهدوء و أغلقت خلفها الباب و جلست على تلك الأريكة، تفكر فيما سيحدث في المستقبل الآتي، و القلق يتملكها.
قامت من مكانها و اتجهت إلى المكتب و جلست عليه و أخرجت دفترها و بدأت تكتب فيه..
اليوم باسل اختفى من حياتي، و حسيت بفراغ في روحي غريب، مع إنه مجرد طيف دخل حياتي مرة واحدة بدون سبب، و قعد معايا أيام قليلة، لكن أنا اتعلقت بيه، كان نفسي ما يسبنيش، لكن للأسف القدر دايمًا فوق رغبة الإنسان، و لا بد نمر بكافة التجارب علشان نقدر نعيش و نتخطي كل أوجاع الحياة.
في مقولة دايمًا بحب ارددها، و يمكن اليوم إيماني بيها بقى يقيني، "رب القدر لا يقضي إلا بالخير"، يمكن اكون اعترضت على القضاء، لكن لما سمعت قصة سندريلا اكتشفت إن المفروض اصبر و استحمل؛ علشان أحقق حلمي، و أقابله مره تانيه، هو قالي إنه مش هينساني، و بيحبني؛ علشان كده هنتظره لآخر يوم في عمري.
أغلقت شادن الدفتر، و وقفت بجسدها الهزيل و اتجهت إلى النافذة و نظرت إلى السماء بعينيها السودواتين قائلة...
-مش يمكن إللي أنا في ده مراهقة، و أقابل حد أحسن منه بعد فترة، أو هو يتجوز إلين و ابقى مجرد حلم من أحلامه الجميلة، أو أعيش على ذكرياته و هو يكون ناسيني...
أفكارها مشوشة، لم تعد تستطيع التفكير بحكمة و هدوء، كل ما تتمناه الآن أن تحصل على جواب يشفي غليل صدرها، لكن كيف تحصل على الجواب و صاحب الجواب لم يستيقظ بعد من نومه الطويل ذاك، عجبت من الدنيا كيف تجرعنا من كاسات الصبابة
ألوانًا، و نحن أمامها نطلب المزيد، ما الذي فعلناه لنتعذب في الحب و نفقد المحبوب؟!، سؤال أبتغي جوابه و ليس عندي له جواب، فيا رب اهدني إلى الجواب الرشيد.
و دقت العاشرة
لـِ الكاتبة سهيلة آل حجازى
ابنة الشريف