في كافيه مطل علي الطريق في البحيرة، كان قاعد إتنين بنات وشاب
بعد ما لفّت الإزازة، قالت بنت منهم "الدور عليكي، هسألك"
ضحكت البنت التانية وقالت "أسترها يارب"
"كنتي بتحكيلي عن موضوع بابا وماكملتيش لما سي روميو رن عليكي" وبصت للشاب بتريقة
قالت البنت التانية "هابقي أحكيلك لما نرجع البيت"
قال الشاب وهو بيلف إيده حوالين كتفها وغمز ليها "هو انا غريب ولا إيه!"
لكزته في دراعه وقالت "لا مش غريب، بس عشان دي مابتفهمش وبفضل احكيلها الحاجة مرة وإتنين وتلاتة"
قال الشاب "طب أحكي بقي عشان أتشوقت للموضوع" وأخد نفس من السجارة وطلّع دخانها بطرف شفايفه
قالت البنت "إحنا كنا وصلنا لحد فين!"
ردت أختها الأصغر منها بسنة ونص "لحد ما بابا راح أتجوز ماما في شقة بعيد عن أهله"
ردت الأخت الكبيرة "أه أه، بعدين ياسيتي بدأ بابا يشق طريقه بنفسه، كان معاه مبلغ ودخل في التجارة، سنة علي سنة وأرباح المشروع اللي عمله بدأ يزيد وماما معاه علي الحلوة والمرة، فضلوا كويسين مع بعض لحد ما بابا بدأ يكتب بعض الاملاك بإسم ماما، يجبلها هدايا غالية جدًا كل فترة وبقي عندها بدل العربية عربيتين، بابا كان بيحبها جدًا، بطريقة أنا مش قادرة اشرحهالكم، لدرجة إنه كان بيسمع كلامها زي الأعمي، بيستشيرها في كل حاجة قبل ما يعملها، لما أنا إتولدت بدأ يزيد إرتباطه بيها أكتر، وماما بتحبه بس مش للدرجة اللي بابا بيحبها بيها"
كملت "ماما بدأت تمل من حب بابا وتزهده، ف كانت في أي مشكلة صغيرة تهدده بالهجر، هو عطاها كل اللي يخليها تحط رجلها علي راسه من غير ما تعمل حساب لحاجة، بدأ بابا يحس إن دراعه بيتلوي بنقطة ضعفه الوحيدة اللي هي ماما، دا خلاه يحس إنه مش عارف يكون راجل معاها، عارفين إحساس إن الشخص اللي بتدمن وجوده يهددك بالبعد كل شوية ك لعبة سخيفه منه، دا كان كفيل يخلي بابا يتحول من شخص عاشق لماما لشخص بيحاول يثبتلها بكل الطرق إنه راجل في نظرها ويملي عينها، وطالما حتة الرجولة اللي بالحنية ماجبتش معايا فايدة بدأ يستخدم الرجولة الجسدية، ف إنه يضربها ويحرمها من بعض الحاجات اللي كان موفرهالها بس ماما بردو كانت بتعرف تروّضه، لأنها عارفة كل مداخله، كانت بكلمتين دلع منها في نهاية كل ليلة بترجعه طفل صغير معاها"
"ماما كانت عارفة إنها نقطة ضعف بابا ف كانت بتلعب علي النقطة دي وبعد ما كانت بتستخدمها في صالحها بدأت تستخدمها ضده، ماكنش ليه حد غيرها لانه ساب اهله وكل ناسه عشانها، ف كان مسخر كل مشاعره ليها، ماما بدأت تمل وجوده وتحسسه بإن إحتياجها مبقاش قادر يشبعه، من مشاعر من وقت حتي من العلاقة الحميمة بينهم، تخيلوا لما توصل لشخص بيحبك إنك مقروف من وجوده، تخيل الضربة اللي تقطم الضهر دي، ماما ماكتفتش ب دا بس، بدات تتجه لعيشة الهوانم بكل وقتها، خروجات مع اصحابها في النادي، سهر في حفلات، وأتجهت كمان لمجال البيزنس، حتي وقتها اللي المفروض يكون ملكه هو، بدات هي تملاه بحاجات تانية"
بصّت ليهم لقت اختها متفاجأة من الكلام دا بس كملت "بابا إتجه لحاجة لا إرادية، بتحصل لينا كلنا لما نحب زيادة عن اللزوم ونتذل زيادة عن اللزوم، إتجه إنه يستخدم معاها إسلوب المذلة والإجبار، حرمها من خروجات البيت ومن إنها تشم الهوا، أتجوز عليها مع إنه ماحبش اللي إتجوزها دي، بدا يقلل منها، إنتِ وحشه، إنتِ مش بتفهمي، إنتِ تخنتي، بدأ يوميًا يسمعها كلام يقلل منها عشان ترجع تطلب الحنيه منه والإهتمام، هو مازال بيحبها بس الفكرة كلها ف إنك خايف علي العصفور ليهجرك ف حابسه في قفص"
"الاسلوب دا جاب مع ماما جدًا، الشخص اللي إنت ضامن وجوده بقي بيقلل منك ومش شايفك من أساسه، ف دي كانت بالنسبة لماما تقليل من أنوثتها، ولما إتجوز جرح كبريائها، ف هي كانت عايزة تعوض الهزيمة دي كلها في إنها تملي عين بابا من جديد، ف كان الدافع جواها تنافس مش أكتر"
كملت "في الوقت دا إتولدت ذكري ف شافت بابا وهو بيعامل ماما كدا، فأخدت فكرة عن بابا إنه قاسي وإنه مايستحقش ماما، فقربت من ماما جدًا وبعدت عن بابا، مع الوقت بابا حبّ لذة الإنتصار علي ماما لأنه شافها رجعت تخضعله تاني، ف بدال ما يحاول يحسن الامور زادها سوء بإنه وصل لماما إنه مبقاش فعلا شايفها، وبدا يحسسها بتقلها عليه، كل دا كان كوم وإنه يعايرها بماضيها الفقير كوم تاني، إنه أشفق عليها لما اتجوزها، بدأ يحطها في مقارنة بينها وبين زوجته التانية طول الوقت وكان بيتعمد إنه في اي مقارنة ينصف مراته التانية، تعبت ماما من الحال اللي إتشقلب فجأة دا خصوصًا إن بابا كان بيهجر سرير ماما بالشهور ويروح ينام في حضن مراته التانية بقصد العند مش أكتر"
"بابا كان بيربي ماما من جديد بس ماعرفش يحط نهاية لقسوته معاها لأن قلبه وعقله إستمتع بلذة الإنتصار عليها ف اصبح مدمن لقسوته وإن القسوة سببه الوحيد إنه ماحدش يلوي دراعه تاني، بعد ما ماتت ماما وهو كان عارف إنه السبب في موتها، ماعرفش يوقف قسوته علينا، ف إحنا إتاخدنا بذنب ماما وأكتر حد خسر في الموضوع هو إحنا..."
كانت أختها الصغيرة مصدومة من كل اللي بتسمعه
سألت فورًا "وليه أنا وذكري مش عارفين الكلام دا"
ردت إختها "ماكنش في وقت للشرح، إنتِ وذكري طلعتوا لقيتوا الوضع كدا وانا كنت صغيرة زيكم وعرفت كل دا من كلام الشغالين في الڤيلا اللي بابا طردهم بعد موت ماما"
جه سؤالها التاني "طب إنتِ ليه بتكرهي بابا مع إنك عارفة إنه كان كويس"
"لأنه اخدنا بذنب ماما وقسي علينا، لو ماما داقت قيراط قسوة ف إحنا دوقنا اربعة وعشرين قيراط، بابا بقي اعمي فعلاً بقساوته، الحرب خلصت وإنتهت وهو إنتصر ف ليه لسه واقف في الحرب دي ومش عايز يجيب أخر، هو مش عايز يحط نهاية لقسوته لأنه خايف حد ييجي يلوي دراعه من تاني، خايف يحب ويدي حب لأنه داق ذل الحب، ف بقي بيبعد عن اي مشاعر ممكن تحطه في موضع ضعف"
كملت "علي قد كرهي لقسوته علي قد ما أنا عذراه، ماما حولته لمريض نفسي ومشت قبل ما تعالجه، وهو دا حالنا، بنحول بعض لمرضي نفسيين وقبل ما نمشي بنعمي عيون اللي حولناهم عن مستشفي يتعالجوا فيها، كأننا قاصدين نسيب اثر في قلوبهم طول العمر"
كانت عيون أختها الصغيرة مشفقة علي الحال اللي إتحطوا فيه كلهم، من اول باباها لحد ذكري
قالت "بس لازم ذكري تعرف كل دا! ممكن ترجع"
"يابنتي قولتلك ميت مرة ذكري مامشتش عشان قساوة بابا، في سبب تاني ماحدش عارفه"
بصوا كلهم لبعض وداغمهم الصمت
----------------
الساعة ١١ بالليل، سلّم أسامة ورديته لعمي محسن، غيّر لبسه وإتجه للڤيلا
خبط علي الباب ففتحتله ذكري، بصلها بجمود وقال "عايز أكلّم الباشمهندس"
ردت ذكري بفتور "حاضر"
طلعت للطابق التاني وخبّطت، قالت من ورا الباب "أستاذ اسامة عايز يكلم حضرتك"
جه رد "قوليله نازل"
نزلت ذكري وشاورت لأسامة يقعد في الصالون، بعد عشر دقايق نزل الباشمهندس فقام اسامة، سلم علي أسامة وقعد قصاده
قال أسامة بإحراج "أنا أسف إني بكلم حضرتك في الوقت دا بس عندي ظروف طارئة في البلد وكنت محتاج فلوس من مرتبي، وأجازة يومين هايمسك فيها بدالي عمي محسن وهياخد حساب اليومين بتوعي"
"إنت كلمت محسن وقالك موافق"
"قولت أكلم حضرتك الاول واخد من حضرتك الاذن أستأذنه"
"لو محسن وافق تمام مافيش مشكلة، إنت أشتغلت كام يوم"
"نص شهر"
نادي الباشمهندس عي ذكري فحضرت قدامه
قال موجه الكلام ليها "اطلعي هاتي محفظتي من فوق"
قالت حاضر وطلعت للطابق التاني، طلبت من مدام الباشمهندس تديها محفظته، ونزلت
سلمتهاله وإنصرفت من قدامهم
فتح الباشمهندس المحفظة وطلع منها فلوس، عدّهم وبعدين طلع منهم جزء
مد إيده بالفلوس لأسامة وقال "دول ٢٠٠٠ جنيه مش ألف ونص عشان الظروف اللي عندك، إيناس شكرتلي فيك وأنك ساعدتها في كذا موقف مع إنها مارضتش تحكيلي إيه المواقف دي، اقابلك بعد يومين إن شاء الله"
كان أسامة طاير من الفرحة، هو فعلاً في حاجة للفلوس دي، قال بفرحة ملت ملامح وشه "أنسة إيناس علي عيني وعلي راسي طول العمر، ربنا يخليك يابشمهندس، مش عارف أقولك إيه والله، إنت عملت فيا جميل"
إبتسم الباشمهندس وقال "اهم حاجة ماتتعودش علي حكاية المرواح دي، الشغل شغل"
"مضطر والله"
"ربنا معاك"
قام الباشمهندس وإنصرف من قدامه وطلع علي السلم، كانت ذكري بتابع حديثهم من المطبخ وفرحت لما شافت أسامة فرحان
خرجت بإبتسامة وقالت "فك التكشيرة بقي"
رد أسامة وأثر الفرحة لسه علي وشه "مانفسكيش تشربي قهوة من إيدي!" كانت عيونه جميلة وهو فرحان
قالت ذكري وهي بتشاور ناحية المطبخ "المطبخ مطبخك"
مشي ناحية المطبخ وهو بيقول "دوقي بقي قهوة أسامة باشا"
حط الكنكة قدامه وبدأ يجهز القهوة وذكري متابعة فرحته وحماسه بإبتسامة
بعد ربع ساعة كانوا قاعدين تحت الشجرة اللي أسامة متعود يقعد تحتها
اخد رشفة من القهوة وبعد ما نزل المج قال "الله عليا، أنا مكاني في كافيه مش هنا"
أخدت ذكري رشفة من مجها وقالت "حلوة فعلاً، خلاص نفتح أنا وإنت كافيه، إنت صنايعي مشروبات وأنا بفلوس الكافيه"
"وأنا موافق" وضحك
حلّ الصمت بينهم بس قطعته ذكري بسؤالها "إيه هي الظروف اللي إنت نازل عشانها، خير؟!"
إتغيرت ملامح أسامة بس لسه محافظ علي روقانه
قال "هاعمل لرحمة أختي مفاجأة وأكلم هشام وأتفق معاه علي ميعاد ييجي يقابلني فيه، اديله فترة عايز ييجي وانا ماكنتش موافق عشان كنت هاتزنق في التكاليف"
ردت ذكري "بيحبها!"
فكر أسامة وبعدين قال "مش أوي"
"مافيش حد هايصمم علي حد كدا إلا لو كان بيحبه"
"أو فرصة مش عايز يضيعها"
"لو فرصة يبقي هو شخص إستغلالي"
سند راسه علي جذع الشجرة وقال "مش عارف، بس كل اللي أعرفه إن أختي فرحانة بيه، ودا عندي بالدنيا"
كمل وقال "والواد كويس بردو مش وحش"
ردت ذكري "ساعات بنكون فرحانين إننا هانغير وضع مش عاجبنا، مش فرحانين بالحاجة ذات نفسها، فرحتنا بتبقي متعلقة بإحساسنا من جوه بالتحرر مش بالحاجة ذات نفسها"
رد أسامة "أنا مش معلق المشنقة لأختي عشان تبقي عايزة تتحرر"
قالت ذكري محاولة التبرير "مش قصدي كدا، انا قصدي إنك لازم تعرف الأول هي فرحانة بيه ليه! وعلي أساس فرحتها حدد الصح ليها"
بدأ أسامة يقتنع فعلاً بكلام ذكري، قال أسامة "هي صراحة مش فرحانة بهشام ذات نفسه، هي فرحانة بإحساس إنها مرغوبة من حد مش أكتر"
عقدت ذكري حاجبها في إستغراب فكمل أسامة "ماتجرجرنيش في الكلام عشان الكلام دا ماينفعش أقوله" وبص قدامه
قالت ذكري "لا هاتتكلم غصب عنك، فهمني إيه الحوار"
إتنهد وقال "كبير اوي يا ذكري ومش عايز احكي فيه، بيتعبني ساعات وساعات بحسه بيقلل مني، فسبيني علي راحتي"
"أنا عمري ما أشوفك بنظرة وحشة"
بصلها. أسامة وطبع أبتسامة فبانت غمازته "إشمعنا"
"عشان حاسة..." سكتت وبعدين قالت "عشان حسّاك"
بصتله بعيون مطمنة وقالت "أحكي، بما إن القهوة قدامنا والدنيا ليل وقاعدين تحت شجرة ف دا أنسب وقت ممكن الإنسان يتكلم فيه من غير حواجز"
عدًل أسامة قاعدته، إستربع قدامها وبصلها
قال "متمناش بعد اللي هاقولهولك تشوفيني بنظرة أقل، هو مش سر، يعتبر البلد كلها عارفة الحكاية دي، بس أنا هاكلمك بقلب صاحب الحكاية ذات نفسها اللي مش قادر يمسك دماغ كل شخص ويعدّل الحكاية جواه"
ركزت ذكري في كلامه ف دا عطاه دافع يتكلم
قال "من زمان أوي، من قبل ما إتولد، من قبل ما أمي وأبويا يتجوزوا، كان أبويا شاب أسمه عامر، شاب طايش بيشرب سجاير وساعات حاجات تانية، لسانه زفر وعالطول سب دين وشتيمة وملافظ مقرفة، طايش لأبعد حد، بيتجرأ علي أبوه وأمه، يعني بمعني اصح شاب مايصلحش لأي حاجة"
"كبر وبقي شايف نفسه يصلح للجواز، رماه النصيب علي أمي، زمان عندنا في الصعيد ماكنش في حاجة اسمها رأي بنت، كان ممكن البنت تشوف جوزها بعد ما يكتبوا الكتاب، أمي وعامر ولاد عم، ماعرفوش يجوزوه برا العيلة فملاقوش قدامهم غير امي، منهم وعليهم يعني وهاتستحمل"
"رماها أبوها مع عامر دا في بيت واحد، إستحملي وشيلي شيلتك وكل الرجالة بتتعدل بعد الجواز وعامر في سن طيش وهايتعدل، إتجوزوا وعامر قاعد في البيت، لا شغل ولا مشغلة، بيروح ياخد فلوس من أهله، يستلف من دا ودا والناس تيجي تتخانق مع أمي، عدي الوقت وعامر مش بيتغير، كرّه الناس في امي من كتر المشاكل اللي كان بيعملها"
"أمي لقت نفسها فجأة مديونة لكل الناس ومكروهة من كل الناس، دي مرات الراجل الوسخ، دي مرات الخامورجي، دي مرات كذا وكذا، لحد ما جيت انا ، أبويا ماكنش معاه يصرف عليا، أمي طلعت إشتغلت لأن أبويا كان بيسلك نفسه في أي مكان برا ويسبنا متلقحين أنا وامي في البيت معناش فلوس الرغيف"
"في نهاية كل شهر ييجي ياخد فلوس شغلها، لو موافقتش بالذوق ياخدها منها بقلة الذوق ويبهدلها ويضربها في الشارع ومافيش حد بيرضي يسلكها من بين إيديه، الناس بقت شايفة بهدلة أبويا لامي حاجة عادية وروتينية إتعودوا عليها وبقينا بيت مميز في البلد، ماحدش في البلد مايعرفش بيت عامر رئيس الخناقات وقلة الادب في البلد"
"أمي أشتكت لخلق الله وماحدش سمع صوتها ولا حد بلّ ريقها بكلمة تطيب خاطرها، راحت لأبوها بس زي ما رماها أول مرة هايرميها كل مرة عادي، زمان كان الطلاق دا زي الفضيحة، موت البنت أحسن من طلاقها، راحت لأهل جوزها، دول ما صدقوا لموه في بيت وكانوا من الأساس بيخافوا منه لأنه ماكنش ليه كبير، ولا بيحترم حد، بيمد إيده علي الصغير والكبير"
"سرق وإتجاب في المركز وإتعمله قضية سرقة، وبقت سمعتنا في الطين أزيد من الأول، وحلاوة الصعيد في الإشاعات، أبويا أتسجن من هنا والناس ماصدقت تطلع كلام من عندها، دي بتروح الشغل عشان كذا، ماهي فرصة جوزها مش هنا، وامي لو ماكنتش خرجت للشغل كنا هانموت من الجوع أنا وهي"
"أنا في الفترة دي كنت بسمع كلام غريب، أغربهم إن أمي علي علاقة بصاحب المشغل اللي بتشتغل فيه"
"مافتش كتير وخرج من السجن، كان إتعدل شوية، السجن بيربي زي ما بيقولوا، عشنا شوية حلوين مع بعض، ساعتها أمي حملت بأختي رحمة، وقبل ما تولدها كان متخانق مع أهله عشان الميراث وحصلت ساعتها خناقة كبيرة أوي، أبويا كان لوحده قدام عيلته، بس اللي أنا ماكنتش أعرفه ساعتها إن جدي مش عايز يدي الورث لأبويا وعايز يدهوني أنا، كان عايز يسيب حاجة تسندني انا وأمي عشان كان متأكد إن طيش أبويا هايوديه في داهية، أبويا كان شايف إن جدي أكل حقه فقام علي جدي وضربه وسط أعمامي، جدي وقع أغمي عليه وأعمامي مسكوا أبويا في الأوضه وضربوه كلهم لحد ما جاب دم من كل حته في جسمه"
"في المستشفي حد من أعمامي أقنع جدي إنه يكتبله حقي بإسمه، وإنه هاديني حقي في الوقت المناسب ولأن جدي كان واثق في عمي وكان في اخر ايامه كتب نصيبي لعمي ووصاه يديني حقي لما ابقي شاب وقادر اواجه أبويا لأنه كان عارف إن ممكن أبويا يطلع الفلوس من بطني لأجل سجارة، بس دا كله كان مجرد كلام مالوش أثر علي ورق، المهم جابوا المحامي وعدلوا في الوصية وبعد ما كان مكتوب أسمي، لغوه وكتبوا نصيي لعمي، كل دا وماحدش عارف حاجة"
"جدي طلب يتكلم معايا وقالي إن نصيبي مع عمي وانا كتمت السر عشان كنت خايف من ابويا وعملت زي ما جدي طلب مني، معداش اسبوع وجدي توفي، والميراث أتقسم وأبويا لما عرف إن جدي مش سايبله حق حس بقهر وإتكسر"
"راح يطالب بحقه من أعمامي طردوه وعاملوه أوسخ معاملة، كنا فاكرين أنا وأمي واختي اللي جات لوش الدنيا إن المعاملة دي لأبويا بس، لقينا نفسنا منبوذين وسطهم من ستات ورجالة، وامي بتتهان منهم وأنا بيشطوني برجلهم من قدامهم، فجأة لقينا نفسنا منبوذين وسط الخلق وإحنا ملناش ذنب، روحت وكلمت عمي في نصيبي قالي إني ماليش حاجة ولو عندي ورق يثبت إن ليا حق اجي أورهوله، كتمت قهرتي في قلبي زي ما كتمت السر قبل كدا، والحمدلله إني ماعرفتش امي السر دا عشان ماكنتش هاتستحمل القهرة دي"
"عمي عطي لجدي وعد وماطلعش قد الوعد، وبكدا ملناش أي حاجة في ميراث جدي، ابويا بقي شخص تاني أوحش من الاول، بقي في قلبه جبروت وعايز يجيب حقه بإيده، إتجنن لما شافهم كلهم بيتمرمغوا في نصيبهم وهو الوحيد اللي واقف يتفرج عليهم مع إن ليه نصيب زيهم بالظبط"
"بقي خامورجي أكتر من الاول، بقي اوحش من الأول في كل حاجة، أعمامي كانوا عايزين يزحوه من البلد كلها، ف كانوا بيقللوا منه طول الوقت عشان يتخانق معاهم وساعتها يبقي وقع في مصيدتهم، وبالفعل، مجرد ما أعمامي رازوا أبويا، ابويا قام فيهم ف ضربوه وإنتهزوا الفرصة وضربوا أمي وضربوني حتي اختي الصغيرة ضربوها"
"بقينا اقل من كل الناس وأضعف من كل الناس، أبويا إتقطع من شجرة فجأة ومبقاش ليه عيلة وأهل، أنا فاكر إن العيال في الشارع كانوا شايفين إني اقل من إني العب معاهم ولما كان في حد بيصاحبني كانوا بيتريقوا عليه، إزاي ولاد الناس يصاحبوا ولاد الكلب اللي زيي"
"كنت انا ساعتها بدات ابقي شاب، وماكنش عندي غير صاحب واحد أسمه شريف، مع إن اهله كانوا بيكرهوني بس هو بيحبني"
كمل "أبويا عقله خف قبل ما يموت، ولما مات سابنا منبوذين وسط الخلق، لا لينا أهل ولا اصحاب ولا حبايب، في حالنا وبس، عشان إحنا في نظر الناس أقل من إننا نتعامل معاهم، انا كذا مرة اسمع جملة .. حد ياخد علي كلام الخامورجي! عامر دا لو تف عليك وإنت ماشي أمسحها من علي وشك وكمل مشي ومتاخدش في بالك، اللي هو مين دا عشان تقف تتناقش معاه!"
كان بيحكي الحوار من غير أي شفقة علي حاله، بس ذكري كانت مشفقة جدًا علي اللي شافه، إحساس أنك منبوذ دا أسوا إحساس ممكن الشخص يمر بيه
أخد تنهيدة طويلة وقال "أنا بكره أبويا، بكرهه وبكره نصيبي عشان كنت إبنه، أنا وأمي وأختي ملناش ذنب عشان نبقي مكروهين وسط الخلق كدا"
بانت ملامحه حزينة وهو بيقول "انا طلعت لقيت نفسي مكروه وماليش حقوق من غير سبب.... طلعت مالقتش حب ولا قبول من حد.. ولا حتي ليا عيلة"
كمل "انا مش مهم والله، أنا شاب ومش هايعبني حاجة بس أختي... عندها ٢٣ سنة وماحدش خبط علي بابنا، مافيش غير هشام وشغال في فرن عيش وعلي قد حالهم أوي، أختي واخدة كلية وجميلة"
بص لذكري بإبتسامة "جميلة أوي يا ذكري، بيوضة وشعرها حلو وعيونها عسلي زيي، تستاهل أحسن حد في الدنيا، وطولك كدا وست بيت شاطرة اوي هي اللي علمتني القهوة"
دار وشه عنها بعد ما إختفت إبتسامته، قال "أختي مش فرحانة بهشام ذات نفسه ولا بتحبه، أختي فرحانة لأنها مابقتش منبوذة علي الاقل من شخص واحد"
إفتكر سؤال ذكري ف قال "انا راجع بكرا البلد عشان بيتنا مافهوش فلوس، يعني ممكن يكونوا باتوا إنهاردة من غير عشا، ماحدش هيسأل فيهم لو عيطوا دم والله"
إفتكر حاجة ففرد رجله وطلع محفظته من جيبه، فتح المحفظة وطلع صورة، بصلها بإبتسامة وبص لذكري وقال "أنا دلوقتي بقي هاوريكي أكبر سر مخبيه جوه قلبي"
لفّ إيده ف كانت صورة بنت في سن ذكري تقريبًا
قال أسامة بنفس الإبتسامة "دي أسمها قلبي ماينفعش أسميها غير كدا" وضحك
سألت ذكري "مين قلبك دي!"
"دي بقي عمري الجاي كله، أحسن حاجة حصلتلي في البلد دي، حبيبتي، وعلي فكرة هي كمان بتحبني"
"بجد!" قالتها ذكري بفرحة
"أه والله بتحبني، أنا مش مصدق إنها ماشفتنيش بعيون الناس اللي حواليها"
كانت ذكري بتدقق في ملامح الصورة، قالت من غير ما تلتفتله "عرفتوا بعض إزاي"
" إبتسمتلي في مرة"
بصتله ذكري وقالت "وعرفت إنها بتحبك إزاي"
"ما بقولك إبتسمتلي مرتين قبل كدا!"
حاولت ذكري تتمالك نفسها وقالت "طب جبت صورتها منين"
"شريف صاحبي خاطب بنت إسمها فريدة، وفريدة صاحبتها فعرفت تجبلي منها صورة، عارفة أنا بحبها من أمتي"
"من أمتي يا شاروخان"
"أديلي كدا بتاع سنتين، إنتِ ماتعرفيش إبتسامتها في وسط النظرات السخيفة من الناس كانت بالنسبالي إيه!"
"بس إنت كدا ماحبتهاش هي، إنت حبيت الحاجة اللي نقصاك"
"أنا بحبها هي!"
"إنت حبيت القبول زي ما أختك حبت قبول هشام مش أكتر، تخيل مثلا إن إنت شاب عادي ماطلعتش في الظروف اللي إنت طلعت فيها وهي أبتسمتلك كنت هاتحبها!"
كملت "لا، لأن إنت ساعتها هاتكون بتدور علي روح شخص تحبه مش حاجة نقصاك لقيتها في شخص"
"لا انا بحبها، أنا بعدي قدام بيتهم كتير عشان اشوفها، مش في كل الاوقات بتبتسملي بس إبتسمت مرتين وعيني جات في عينها"
"أنا هبسطهالك أكتر من كدا، إنت لما جيت هنا كنت بتدور علي أي اول حاجة!"
"إني أشتغل"
"وغير إنك تشتغل"
"إني أتعامل كويس"
"ولما إتعاملت كويس!"
"حبيت المكان"
"بالظبط، طب أفرض أنا عرضت عليك شغل ب٦ الاف جنيه ومعاملة أحسن من اللي بتتعاملها هنا، هتوافق ولا هاترفض"
"هوافق طبعًا"
"عارف إنت هتوافق ليه! عشان إحتياجك بيقودك، إحتياجك للقبول خلاك تحب المكان بس لو لقيت قبول أكتر في مكان تاني ف انت مش هاتتردد تروحله، يعني لو في بنت تانيه في البلد قالتلك إنت جميل وإبتسمتلك، وبعدها بدأت تقرب منك ف إنت مش هاتتردد لحظة تنسي الاولانية وتحب التانية، لإنك بتحب اللي يشبع النقص عندك بس، وكل ما حد شبعه اكتر كل ما حبيته أكتر"
كملت "إنت بتحب الإبتسامة اللي بتاخدها منها مش بتحبها هي، انت بتعدي قدام بيتها عشان تلاقي نفس الٱبتسامة منها مش عشان تشوفها هي، ودا مش حب، دا إحيتاج بيتشبع من شخص ف إنت مستمتع"
كان أسامة مركز في كلامها بس جواه حاجة بتكدب كلامها
أخد منها الصورة وقال "أنا بحبها وهاتجوزها، هاقوم بقي عشان الحق أسافر"
قام ونفض هدومه ومشي دخل أوضته عشان يلم شنطته
بصتله ذكري وهي مشفقة علي حاله
دخلت ذكري الڤيلا، فتحت باب اوضتها ودخلتها وقفلت الباب وراها وقعدت تفكر في كلام أسامة
طب ما هي كمان حبّت كرم عشان لقت فيه ابوها، هو كمان شبع عندها إحتياجها لحنية الأب، هي كمان ماكنتش بتحب، هي كانت مستمتعة بإحيتاجها اللي بيتشبع، عشان كدا لما كرم قلل إهتمام شافته قاسي زي ابوها فعاملته وحش وكانت بتجبره علي الاهتمام وبتلومه كأنه ملزم يهتم وإن دا المفروض يكون شغله الشاغل
عشان كدا هي مفتقدة حنية كرم مش كرم ذات نفسه
---------
خرج أسامة من الڤيلا ورفع سماعة فونه ورن علي...
#يتبع
#قلب_ذكري
#الحلقة _التاسعة
لـ أميمة عبدالله