في الطريق كانت ماشية إيناس لوحدها، تايهة ومش عايزة تكلم حد، جات من وراها ذكري وجنبها أسامة، صممت إيناس تمشي عشان ماترجعش البيت بسرعة، ف سابتها ذكري علي راحتها، كانت حزينة علي حالها بس إتصنعت القوة بتعابير وش حازمة كعادتها
قطعوا مسافة مش كبيرة لما حس أسامة إن إيناس بردانة، خلع الجاكيت بتاعه وحطه علي كتفها وهي ماشية، ماعطتش أي رد فعل لأسامة وكملت طريقها
كان الجو برد جدًا وذكري بتحب الشتا، من غير ما ياخد أسامة باله نفخت في وسط الشبّورة فطلع دخان من بوئها، إبتسمت بطفولة بس إختفت إبتسامتها سريعًا عشان أسامة ميلاحظش
بدأ أسامة يبرد فعقد دراعه قدام صدره في محاولة منه إنه يدّفي نفسه، لاحظت ذكري إنه بردان وكانت لابسة جاكيت صوف أسود فخلعته ومدت إيدها بكبرياء من غير ما تبصله
بصّ أسامة لأيدها وللحظات حاول يستوعب الموقف
"والله!" قالها أسامة بسخرية وضيق
بصتله ذكري بإستغراب وقالت "في إيه!"
"يعني أنا المفروض أروّح بالجاكيت بتاعك وأدهولك وإنتي طالعة وإنتي تقوليلي خلي بالك من نفسك وأنا أبتسم بخجل!"
"إتكلم بإسلوب أحسن من كدا" قالتها ذكري وهي تشير بسبابتها في وشه
كملت وهي بتنزل صباعها "أنا بردلك اللي عملته مع صاحبتي مش اكتر"
"مش عايزك تردي حاجة" قالها بزفر وهو بينصرف من قدامها
مشي كام خطوة وبعدين رجعلها تاني وقال بغضب "أنا بخدم بنت الباشمهندس اللي أنا شغال عنده مش بخدم صاحبتك، ثم يعني حتي لو كدا، هاسيبك تمشي بردانة وأدفي أنا بالجاكيت بتاعك! وبعدين هو إنتِ الراجل ولا أنا"
"دا أنت عقلية ذكورية بقي!"
"لا في حاجة أسمها ذوق وأصول أتربيت عليها"
"ماشي براحتك" قالتها ذكري بعجرفة
مشوا هما الإتنين ساكتين لحد ما كانوا قربوا يوصلوا
حمحمت ذكري علي غفلة وقالت "إيناس هاتدخل إزاي!"
بصتلها إيناس متفاجئة، كانت ناسية الموضوع، علي عكس أسامة اللي قال ببساطة "كنت بفكر في كدا طول الطريق ولقيت حل"
وقف هو وذكري قدام البوابة، فتح البواب فأخده أسامة علي حين غفلة بالحضن وهو بيبكي بتصنّع، قال بتشنج "عمي مات، لسه جايلي الخبر دلوقتي وأنا جاي، عمي مات عمي مات"
حاول البواب يهديه وقعده علي الكرسي، مسح عينيه وإزداد صوت عياطه وقال "كنت بحبه أوي ياعمي محسن، كان حنين عليا وكان شبهك في الملامح، ضهري أتكسر من بعده"
قال محسن وهو يربت علي كتفه "إن لله وإن إليه لراجعون، ماتعملش في نفسك كدا يابني الأعمار بيدي الله"
"كان نفسي أحضر دفنته أوي" كان حاطط إيده علي عينه وحاني راسه للأرض وبيتصنع العياط
كمل أسامة "هاتلي كوباية ماية ياعمي محسن معلش، هاغلبك معايا، ماشي طول الطريق بعيط لحد ما ريقي بقي ظلط"
راح محسن يجيب الماية من الأوضة ف شاور أسامة سريعًا لإيناس اللي جرت ناحية الشجرة وإستخبت تحتها
طلع محسن بالماية ف شرب أسامة وإتنهد وقال "هاروح للحارس اللي هناك دا عشان أبلغه بالخبر، أصله قريبي من بعيد ويعرف عمي"
"يابني دا انت من أسيوط والبواب من بني سويف"
"أه ما أمه كانت بترضع عمي، سيبني ياعمي محسن هو دا وقت أسئلة"
"عندك حق، ربنا يصبرك يابني ويجازي عمك الجنة"
"أمين أمين" قالها أسامة وهو ماشي من قدامه وبيشهق من العياط
راح للحارس وأخده من إيده وصدّر ضهره من جهة الشجرة اللي قاعدة تحتها إيناس وشاور لإيناس وذكري يتحركوا
قال الحارس بأستغراب بالغ "في حاجة!" وبص لأسامة بنظرة مُسيئة
إطمن أسامة إن إيناس وذكري دخلوا من الباب الخلفي للڤيلا
قال للحارس وهو بيبلع ريقه "تعرف إني بقرا الكف؟"
----------
صباح تاني يوم دق باب ذكري، قامت من النوم وبصّت للساعة لقيتها ٦ الصبح، إستغربت إن حد يخبط علي بابها في الوقت دا بس لبست حاجة علي جسمها وفتحت الباب
كانت إيناس، دخلتها ذكري وهي بتتاوب وبتفتح عيونها بصعوبة
رفعت الجاكيت وقالت "أديه لأسامة وقوليله شكرًا علي اللي عمله معايا إمبارح"
أخدته منها ذكري وحطته في دولابها
بصّت لأيناس بتمعن وقالت "إنتِ مانمتيش صح!"
"قلبي موجوع علي حمزة ومش عارفة أنام"
"إن شاء الله يكون كويس، أبقي روحيله إنهاردة"
"هانروحله أنا وإنتي، أنا عيزاكي معايا في كل خطوة، مافيش حد جنبي غيرك ومافيش حد عارف سري غيرك"
إبتسمت ذكري وقالت "وأنا مش هاسيبك، أنا اه وحشة وماحدش بيحبني بس بعرف إزاي أمشي الطريق لأخره مع حد أختارني"
بادلتها إيناس الإبتسامة وقالت "أنا بحبك وممتنة لوجودك وأكتر حد أتسند عليه وانا متأكدة إني مش هاقع"
خرجت إيناس بعد ما شجعتها ذكري إنها تنام عشان يعرفوا يروحوا لحمزة فأكدتلها إيناس إنها هتحاول
رجعت ذكري سريرها عشان تكمل نوم
------------------
"مش هاكسر لأبويا كلمة يا فريدة، هو أدري باللي بيعمله و ادري بمصلحتي"
علي صوتها في التليفون وهي بتقول "وأنا هاتجوزك إنت ولا هاتجوزم أبوك وأمك، كل ما أكلمك تقولي أصل ابويا وأمي!"
"أيوه وماعنديش غيرهم ومش هاكسرلهم كلمة"
"والله يا شريف! ومالو، أبقي دور علي بنت تانية بقي ترضي تتجوزك إنت وأبوك وأمك"
"إيه مزعلك إنتِ في إن أبويا يحدد شغلي ويحدد أقعد فين ويجيب هو الفرش ويظبطلي شقتي، ما هي فلوسه! "
"فلوس مين ياخويا! ما أنت اي شغلانة تروحها بتيجي تكب فلوسها في حجر أبوك وهو بيديك منها مصاريفك، دا إنت مبتستجرأش تصرف جنيه ما نغير ما أبوك يعرف إنت هاتصرفه في إيه"
"أنا في بيت ليه نظام وحدود ماينفعش أعديها، ودا إحترام مش خوف يا فريدة"
"لا خوف وجُبن، إنت جبان ياشريف وهاتفضل حياتك كلها كدا، مخطوبين من سبع شهور وماشوفتش فيهم ساعة هنا، تيجي عندي تجيب أبوك وأمك في ديلك، تحصل مشكلة ألاقي أبوك وامك هما اللي بيكلموني، في حد يخلي ابوه يدي لخطيبته الفلوس اللي محتجاها! انا هاتشل... هاتشل كدا"
"إنت لو تعرفي حاجة عن إحترام الاهل مش هاتقولي كدا"
قالت بنبرة هادية "ياحبيبي الإحترام حاجة وأن أبوك يمحي شخصيتك دي حاجة تانية، إحترام اهلك دا بيكون في الحاجات اللي تخصهم مش تخصك إنت، إنت لو فضلت علي الحال دا أنا... أنا بجد مش هاستحمل"
كملت وقالت "ولا في بنت هاترضي علي نفسها تسمع كلام جوزها وكلام أبوه وكلام امه وتحاول ترضي جوزها وترضي ابوه وترضي امه وتحس إنها متجوزة تلاتة وحياتها الشخصية متعلقة بين تلاتة، دا أمك حكمت عليك في مرة ماتكلمنيش شهر كامل عشان قال إيه... لما كانت عندي مامسكتش فيها تتعشي، هي تعلم ظروف بيتنا إيه! هي كل ما تيجي عيزالها وليمة يعني"
"بنت الاصول بتستحمل يافريدة، الست الشاط..."
قاطعته فريدة سريعًا "يخربيت بنت الاصول علي بيت فريدة، إنت عندك حق أنا مش بنت أصول، إنت اللي ألف بنت تتمناك، والحمدلله إن انا مش من الألف دول، تعالي خد حاجتك يا إبن الناس وكل واحد يروح لحال سبيله"
"باني بقي علي حقيقتك، والله أنا العايب فعلاً إني ماسمعتش كلامهم لما جابولي بنت ووقفت عارضتهم وأختارتك إنتِ"
"عارضتهم! إنت مسمي إنك قولتلهم لو ماعجبتكوش البنت اللي أنا مختارها هاتجوز اللي تقولوا عليها... دا كدا إعتراض!"
أخدت شهيق طلعته بخنقة وهي بتقول "نتكلم بعدين ياشريف عشان بجد مخنوقة وممكن ازعلك بكلامي" وقفلت التليفون وإنفجرت في البكاء
هي حاسة إنها اهلكت نفسها معاه، من يوم ما عرفته وهي عارفة إن مالوش شخصية مع أهله بس هي اللي جازفت عشان بتحبه، إستحملت شهر وإتنين وتلاته وحاولت تغيّر فيه بس ماعرفتش
الحب مش بيبني بيت وعيلة، بيبني عِش في قلوبنا بس...
---------------
رن تليفون أسامة، كان المتصل شريف
فتح أسامة وقبل مايرد جه صوت شريف "أنا وفريدة هانسيب بعض"
إستغرب أسامة بس سأله "حصل إيه!"
"عيزاني أمشي وراها هي واكسر كلام أهلي"
"شريف ماتعملهمش عليا، هي مش هاتقولك كدا، أنا عارف فريدة"
"طب والله طلبت مني كدا يا أسامة، تقولي انا مش هاتجوزك انت وأبوك وأمك"
"ماغلطتش، أنت ماشي ورا كلام أهلك زي الأعمي، شرّق شرّق، غرّب غرّب ودا ماينفعش يا صاحبي"
"أبويا وحش يا أسامة وهايكسر رقبتي قبل ما أكسرله كلمة حكم بيها"
"وذنبها إيه البت الغلبانة دي بينكم، دي امك لوحدها تكفرها في عيشتها"
"أعمل إيه يعني"
"إنت بتحب فريدة فمتخسرهاش، إنت راجلها ولازم تحس منك إن كلمتك نافدة، مش تقولها اللي ابويا يحكم بيه ولا تحسسها إنك بتاخد اوامر منهم تنفذها عليها، أي بنت عايزة شخص مستقل ببيته وبتفكيره، جو العيلة دا بييجي من وراه بلاوي مش مشاكل بس"
كمل أسامة "واجه ماضيك يا صاحبي، أنا خايف عليك ومبناش كسوف ف هاكلمك من غير ما أعمل حساب لزعلك عشان دا لمصلحتك، إنشف شوية، وماتفهمش الجملة غلط، أنا قصدي خليك راجل في نظر الكل حتي أهلك، مش تعمل راجل عليهم لا، بس إنت ليك رأي لازم يحترموه، ليك حياة خاصة بيك إنت وهما مالهمش الحق يتدخلوا فيها، ليك بنت هاتكون مراتك بعد كام شهر ولازم هما كمان يحترموها زي ما إنت مخليها تحترمهم"
كمل "وإنت صغير كنت مختلف عننا كلنا، أكمنك الأبن الوحيد ف كان ابوك بيخاف عليك كالبنات، كان بيخوفك من حاجات كتير ف طلعت بتخاف تجرب، أبوك ماطلعكش تشتغل غير لما حس إن صحته في النازل إنما لو كان عليه كان حبسك في البيت طول العمر، أمك كانت بتدافع عنك في الشارع لحد ما كنت في الثانوية، خوفهم الزايد عليك خلاهم يشفوك بنظرة الطفل الصغير اللي عمره ما هايكبر، إنت لحد دلوقتي أمك بترن عليك كل شوية تشوفك بتعمل إيه وأبوك بيوصي عليك في كل شغل تروحه"
ضحك وهو بيقول "إحنا طلعنا غيرك عشان إحنا إترمينا في الشارع من صغرنا، إطلع وجيب فلوس، إطلع وإسند مع أبوك، إطلع وأتعلم ماحدش هايعلمك، شوف أنت بعينك قساوة الناس وجربها عشان قلبك يقوي، جرب تنام من غير عشا عشان تعرف قيمة اللقمة، جرب إتغرب عن أهلك عشان تعرف قيمة حسّهم في البيت، جرب مسؤولية وشيل همها، إترمينا بين الناس نتعلم كل دا لوحدنا، في الوقت اللي كان أهلك خايفين عليك من الخدش"
"انا مش بقولك الكلام دا عشان أضايقك ولا أخليك تقفل السكة في وشي بس ماتخسرش حد بيحبك وحاول معاك بدل المرة مليون، مافيش بنت تستحمل اللي أهلك بيعملوه واللي إنت بتحسسهولها"
شريف كان ساكت بيسمع بس.. هو عارف إن كلام أسامة صح، فضل ساكت فقفل أسامة السكة
غمض عينه وإفتكر كل الكلام اللي أسامة قاله، بشرته البيضة اللي معلهاش أثار الشقي زي كل شاب في سنه، خوفه من إنه ياخد أي قرار في حياته من غير ما يرجع لأهله، ثقته المنعدمة في نفسه، زعيق أبوه فيه كأنه طفل صغير عمره ما هايتعلم، خوف أمه عليه كأنه بنتها في سنين مراهقه
بعده عن صحابه وهو صغير، إنت غيرهم... هما وحشين إنت حلو، هما حاجة وإنت حاجة، خوف خوف خوف، ضيع كل اللي فات من عمره وهو بيتفادي قلقهم وخوفهم عليه
وفريدة!.. فريدة حب حياته، إستحملت منه كتير، حاولت توصله بكل الطرق إنه ينزل من علي كتاف اهله هو مبقاش عيل صغير، بس هو كان دايمًا شايفها بتكره أهله وبتبعده عنهم وبتقويه عليهم
أطبق فكه في ضيق وفتح عينه بِغلب وقلة حيلة
كان أسامة مضايق من مكالمة شريف في الوقت اللي جه صوت من وراه "أسامة"
إلتفت وراه ف لقي ذكري ماسكة الجاكيت وبتناولهوله وهي بتقول "إيناس بتشكرك"
أخده منها وقال "الشكر لله" ودار وشه عنها
لاحظت ذكري إنه مضايق بس ماتكلمتش، لفّت وشها ورجعت مكان ما جات، هي كمان كانت مضايقة، صحت حاسة نفسها مش بخير ومش عايزة تتكلم مع حد، فقررت تتفادي أي مناقشة او كلام يتوجهلها إنهاردة، خلصت كل شغلها ودخلت أوضتها وقفلت الباب كويس وطلعت المهدئ وحطته جنبها
جسمها فيه طاقة غريبة فقامت تتمشي في الاوضة رايح جاي
--------------------
إتفتح باب الأوضة فجأة فمسحت فريدة دموعها بسرعة ، قربت منها أختها الكبيرة مخضوضة من شكلها وصوت عياطها اللي سمعته وهي معدية قدام الاوضة
قعدت جنبها وسألتها بقلق وخوف "فريدة، مالك! "
رجعت عيطت تاني وهي بتقول "أنا وشريف هانسيب يعض"
"ياختي بركة، دُعايا أستجاب، هو شريف دا يتعاشر هو وأهله من أساسه"
"شريف كويس ومش هلاقي حد في طيبته وحنيته، العقدة كلها في أهله" قالتها وهي بتمسح دموعها
ردت أختها "لا، مافيش راجل يقبل علي نفسه اللي شريف قابله دا، لا وكمان عايزك تتقبليه، دا أنا اطلع أعمل فرح علي الخبر الحلو دا"
"بس أنا بحبه" قالتها فريدة بإستسلام ودموع
خرجت أختها غير مبالية بأخر جملة قالتها فريدة عشان تبلغ أهلها بالخبر، هما كلهم رافضين الجوازة بس كان معجزهم عن الفركشة حُب فريدة لشريف
رن تليفونها وفرحت لما لقت إسم "حبيبي" هو اللي اعلي شاشة فونها، بس ماردتش، رن تاني وتالت وهي سامعة الفون ومش بترد، هو لازم يتغير المرادي ومافيش اي فرص تانية غير لما يتغير، دا الوعد اللي اخدته علي نفسها ومش هتتراجع فيه، مع إنها بتتألم ونفسها ترد عليه بس عمره ما هايفكر يتغير غير لما يتساب لوحده ويتحرم من وجودها شوية
#يتبع
#قلب_ذكري
#الحلقة_السابعة
لـ اميمة عبدالله
الوسوم:
قلب ذكرى