مقدمة رواية حرب باندورا

مقدمة رواية حرب باندورا

 أنا لستُ هنا لأخبركَ قصة حزينة، يموت أبطالها وينتهي دوري، سأفعل هذا إن كنتُ مسكينًا، في سبيل الشهرةِ أفنيتُ عمري، وأنا لستُ كذلك، فكما عهدتموني أعزائي المختلين الرماديين، أنا صاحب رسالة متغيرة، كل يومٍ تختلفُ معاييرها حسب معايير البشر من حولي، رسالتي ليست قرآن لتواكب كل العصور، وهذا العصر مجنون برمته، لا يعلم حاضريه ماذا يريدون، الأمر كله يتعلق بالوسيلة التي سيحطمون بعضهم بها، لذا كثيرًا ما تتغير جلودهم...

وكما سبق وقلتَ مرارًا وتكرارًا أن لا فائدة لمقدمةٍ تروي لك عن القصةِ وكم هي مثيرة، لقد أشتريتها أنت على أي حال، لذا فلتكتشف الأمر بنفسك، لا داعي للحرق ولا داعي للتعريف عن شيئًا ستعرفه لا محالة بمنظورك الخاص، دعنا نخوض معركةً أفضل..
كنتُ قد كتبتُ جملةً وأنا صغير تقول "أن الحياة تجارةً لا مبادئ فيها" وحين كبرتُ قرأتُ في أحدِ الكتبَ.. قرأتُ عن كيف بدأ علم الآثار، كان قد بدأ مثله كمثل الكثير من الأشياء الرائعة والجميلة بمحض الصدفة، وتطور الأمر ليصبح ذا إسمًا شرعيًا في تاريخ الإعتراف "فن إكتشاف الآثار"، إن توقفت هنا، سأكون قد وضعتُ لك بروازًا جميلًا لصورةٍ أجمل.. لكن هل هذه هي الحقيقة؟ اتسائل...
بالطبع لا، بدأ الأمر بإكتشاف بعض التمثيل قبل عدة قرون، وكان الأمر في غايةِ الجمال، المغامرة، المخاطر، الإثارة، والمتعة، كلها في فنٍ واحد تحمل غايةً نبيلة، أن نسترق النظر إلى الماضي ونتمعن في جماله، تمامًا كفن الكتابة، نتلاعب بالألفاظ لنجعل الفكرة ذات مذاقًا ذكيًا ورائحةً جميلة، ولو كانت اللوحة تشعُ كئابة.. تنبع تلك الرائحة من الكاتب، تشتم أثارها بعقلك على بُعد خمسين الف ميلًا، كان الأمر ممتعًا، لكن هذه هي البداية.. دائمًا ما تكونُ البداياتِ سعيدة..
حين بدأ البحث عن الكنوز في بادئ الأمر منذ قرون، كان هذا يُسمى "عِلمُ الآثار"، فقد كان من الممتعِ حقًا أن نحل عقدة الزمن، والتاريخ في القرون الفارغة، ونرى كيف كان يعيشُ الأولين.. مرت فترة، وبدأ علماء الآثار تذدادُ شهرتهم عن طريق الخطأ، ومن هنا ومن حيث لا أحد يدري، بدأت تتزاحم قوائم الداخلينَ في علم الآثار.. بدأ تدريجيًا يتحول الأمر من مجرد المتعة، لـ اللحصولِ على الشهرة.. وإلى الآن لا مشكلةً في ذلك، على الأقل هؤلاء مشهورين على أسسٍ ومبادئ ثابته، يحققون الغاية بشرف، بنبلٍ، لا يخدعون ولا يخادعون أحد، نوياهم كانت واضحة ولو أخفى القليل، ليس لديهم ما يخشونه، وظلّوا جميعهم تحت نفس الراية الجليلة، راية "علماء الآثار"، كانت غايةُ البعض حب المعرفة، والبعض الآخر الشغف، والبعض الشهرة، والوسيلة كانت ثابته لم تتغير.. كانوا يعملون في وضوح النهار أمام أعين الجميع، وإن سألتهم يقولون نبحث عن العلم، رغم كَذِب البعض إلا أنهم لم يضروا مثقال نملة تسير في الأرض أثناء حفرهم، هم أخفوا نوياهم وهذه حريتهم ما لم يتأذى أحد..
مع تملّق وشهرة هؤلاء الرجال ظهر نوعًا جديد خارج عن طائفتهم وينتسبون من بعيدٍ لهم، هؤلاء الذين يقومون بعمليات البحث والحفر عن الكنوز الثمينة، فقط لبيعها لأحدهم ممن يُحب أقتناء هذه الأشياء، ومن ينظف أمواله بهم.. هنا بدأت المشكلة، تلك الطائفة دائمًا نراها في شتى الفنون، بنفس الوسيلة لكن الغاية هنا تختلف، كلاهما يبحث ويحفر، ولكن ليس لكلاهما نفسُ المبدأ.. هذه سُنة الحياة دائمًا...
ما ظهر مؤخرًا هنا في عالم فن الكتابة، شيئًا يختلف تمامًا يحمل نفس الغاية.. جمع المال بوسيلة الفن.. هؤلاء لا يريدون فنك يا صديقي، هم يريدون مالك، هم لا يرون فنك ولا يرونك مِن الأساس، الصورةِ لهم تم تكبيرها بنسبة الف في المئة للبقعة التي تحمل الرقم المكتوب على الأوراق النقدية في جيبك لا أكثر.
كما نرى في الآوانِ الأخيرة ظهرت فكرة الكيانات والكتب المجمعة بشكلٍ رهيب.. أجتاحت الأسواق إن صح القول، ولا أعلم بأي عقلٍ يساهم الـ"كاتب" رغم أن هذا اللفظ لا يَصلُح لمساهمٍ في جريمةٍ كتلك.. وهنا أقصد النشر مقابل المال، وما على دور النشرِ ذنب.. وليس كل الناشرين مقابل المال اقصد.
سأشرح لك عزيز القارئ ما يحدث خلف الستائر، وأنت أيضًا أيها الصغير الذي ربما قد يتم التلاعب بك في نفس هذا الفخ خاطرة ب 20 جنيه وثلاثة خواطر ب 50 جنيه فقط، تخفيضات، وكأننا لا نكتب، بل نبيعُ خضروات.. وهذه عملية أحتيال كبيرة لا تدري عنها شيئًا، أنت مجرد طفلٍ صغير يحلم بأن يكبر، وترى أن أول سلم لنجاحك سيبدأ من هنا، من تلك الصفحة الصغيرة التي ستكثر بعد ذلك لكتابٍ ثم مجلدٍ ثم سلسلة كاملة ثم...
    أبشرك بأن هذا لن يحدث.. تلك الكتب ما هي إلا تجارةٍ غيرُ شريفة بالمرة، سأخبرك شيئًا.. خاطرة تحمل عدد واحد صفحة بعشرون جنيه، في كتابٍ مجمع من 150 صفحة، هذا يعني أن ما جمعه هذا الكيان هنا 3000 جنيه، سيقوم بطباعة الكتاب بأقصى حد 2500 جنيه، ويحصل على 500 في جيبه غير الأرباح العائدة من الكتاب نفسه، تلك حسبه بسيطة، تتغير من حينٍ لآخر لكن صدقني الناتج واحد وإن أختلفت الأرقام..
دعني أطرح عليكَ سؤلًا من سيقرأ لك؟
 شخص أثنان 100 ونضربهم في أربعة!، يمكنك أن تحصل على  10أضعاف هذا الرقم من أحد مواقع التواصل الاجتماعي بنفس الـ20 جنيه، على الأقل من هنا ستجمع جمهورًا يعرفُ قلمك، عن طريق كل كتاباتك، سينتظر عملك بشغف..سينظر لك ك(كاتب) يكتب، وليس شخصًا بذل أقصى ما لديه ليخرج بتلك الخاطرة، سيراك هكذا وإن لم تفعل.. هذه حقيقة الأمور هنا يا صديقي..
طبعًا هنا أقصد سيرونك أخرجت أكثر ما لديك، في حالة كل من اشترى الكتاب قرأه بالطبع، فإقتناء الكتب شيء، وقراءته ملحمة أخرى تمامًا...
من فضلك عزيز وعزيزتي الكاتب والكاتبة الصغيرة، تعامل مع قلمك، على أنه مسمارٍ ينحت في جبال التاريخ فنًا لا يفنى أبدًا، كن ذا رسالة، كن ذا هدف، ضع قيمةً لقلمك، لتحصل عليها لنفسك..
لا تلطخ مصطلحًا عظيم كـ"الكاتب" بفعلٍ وضيعٍ كـ"تاجر فنون رديئة" لا تستغل البراعم الصغار فقط لأن الشغف يسيطر على عقلهم فأعماهم، هناك عيونٍ أكثر دقة تنظر في تفاصيل أعماقك، لن تنجو بفعلتكَ منهم صدقني.. خذ قرارًا من الآن لتكن أنت هنا، أنت الذي تحب أن يراه الناس، فما الإنسانُ إلا قرارًا وهدف وضعهما جناحان لإسمه ليرتفعوا بهِ فوق الأفق، لسماء النجاح.. بالمختصر، إن كانت تلك حرب فدعهم، يقولون شهيدًا قاتل ومات شريفًا عل الأقل... استحق القول يا صديقي.
 وأخيرًا.. كتبتُ عملي لأخبرك سرًا، إن أردتَ معرفته، فأنظر ما بين السطور، ومع كل نظرة، طبق مجاز الفعل وكينونته بالواقع، سترى العالم بصورةٍ أوضح.. الآن أستطيع القول هيا نبدأ...

الكاتب الرمادي

إن لم ترى نفسك في عيون الآخرين فأعلم أنك لم ترى نفسك مطلقًا وأن عقلك يخدعك عن ما تعرفه عنك لا محالة.. فلم نخلق لنرى ما بداخلنا بل لننظر داخل الآخرين..

1 تعليقات

أحدث أقدم