منذ آلاف السنين ونحن نتصارع حول سؤال واحد: هل الإنسان مُسيَّر أم مُخيَّر؟ وبصيغة أخرى: هل أفعالنا وأخطاؤنا وحياتنا بالكامل نحن من نختارها ونسلكها بكامل إرادتنا أم أنها مُحددة من قِبَل الخالق بشكل كامل؟
أعمار وقرون تبدأ وتنتهي ومازلنا نختلف حول ذلك الأمر، وسنظل كذلك بين مُؤيدٍ ومُعارضٍ إلى أن تفنى الدنيا، فما دمنا سنظل نتخبط؛ فدعوني أعرض ما توصلت له في هذا الصراع الدائم.
أولًا: يجب أن يكون السؤال: هل المخلوقات من تحدد مسلكها وأقدارها أم أنها مُحددة بالفعل؟
لقد استبدلنا الإنسان بالمخلوق وهذا هو الأشمل؛ فالمخلوقات بالتأكيد ليست بشر فقط بل هناك الجن والملائكة والشيطين وربما مخلوقات تسكن العوالم الأخرى ومازلنا لا ندري عنها شيئًا.
ليس المخلوق مُخيَّر بشكل كامل؛ فالأمور ليست تجري كما نود دائمًا، فمثلًا لا نستطيع أن نرفض الموت والمرض والأعمار والأقدار؛ لأنها أشياء حتمية مهما حاولنا أن نستطيع تجاوزها.
ليس المخلوق مُسيَّر أيضًا بالشكل الكامل كعرائس المسرح التي تتحرك بخيوط وأهواء مالكها فقط؛ فلقد خُلِقَ بداخلنا الظلام كما الضياء، خُلِقَ الشر كما الخير، والجانبان يسكاننا جميعًا، ويحق لنا حرية اختيار أي الجانبين سيقود.
نحن لسنا مُسيَّرين ولسنا كذلك مُخيَّرين بالشكل الكامل، ولكننا مزيج بين الاثنين، أحب أن أطلق على ذلك أننا مُخيَّرين بشكل مُسيَّر، كالألعاب مثلًا: فهناك قواعد تحكمها لا نستطيع تغييرها ولكن نستطيع أن نسير بكل الطرق ونفعل ما يحلو لنا، لدينا تعليمات لنستطيع الفوز ولكن لنا الحق أيضًا ألَّا نتبعها، ومهما كان اختيارنا فالنتيجة إما أن تكون ناجح أم خاسر، لا يوجد شيء آخر، ولا يوجد في الدنيا ما يسمى بحظ أوفر المرة القادمة، هي مرة واحدة وفرصة وحيدة ونحن من نحدد النتيجة باختيارنا الكامل لها بعدما حكمتنا القواعد، فلا نستطيع إعادة التجربة وأخذ فرص أخرى، ولا نستطيع أن نتحكم في خط النهاية.
أعلم بما يجول بخاطركم الآن؛ فقد فكرت به من قبل كثيرًا ولكن لم أصل إلى إجابة مرضية حتى أخبرني صديق لي ببعض خواطره في ذلك الأمر.
‹‹إن كنا كذلك مخيَّرين ولكن بوجود بعض القواعد فكيف يوجد ما يسمى ب‹‹المكتوب›› أو الصحف الإلهية والتي يُقال أن الخالق كتبها قبل بداية الخلق؟ اعذرني ولكن كيف يعرف كل ما سيحدث؟ أم أنه هو من كتب كل ذلك وخلق المخلوقات على نحو يجعلهم يفعلون كل ما كتب؟ أرجو أن تعذرني على وقاحتي ولكن ألا ترى أن الأمر غامض بعض الشيء؟››
تلك بعض الأسئلة المراوغة والتي نحاول طردها بشتى الطرق لأننا لا نعلم لها إجابة سوى تلك الساذجة التي أخبرونا بها في نعومة أظافرنا: ‹‹ لأنه الله القادر على كل شيء، لا تفكر في تلك الأشياء مرة أخرى حتى لا تنحرف عن الدين، إن أتتك تلك الأفكار مرة أخرى اقمعها لا تستمع لها››، أي إجابة تلك التي سنقتنع بها، كيف لطفلٍ في الثامنة من عمره أن يقتنع بمثل هذا الهراء، نحن لم نكن نريد طريقة للتخلص من هذه الأسئلة، ولكن أردنا تفسيرًا لتلك الأشياء المبهمة والتي ظلت كذلك لفترة طويلة حتى ظننا أننا ولكن مع تكرار هذا السؤال مرة أخرى من طفل صغير أو من الأبناء، سنعجز وقتها عن الرد ولن نجد غير تلك الساذجة التي أخبرونا بها وقتها.
لنعود للسؤال مرة أخرى، ‹‹كيف توجد صحف إلهية مُدَوَّن بها كل الأحداث والمخلوقات وسلوكهم حتى مماتهم وحسابهم؟ وإن كان كذلك فلِمَ لا يكون الخالق قد كتبها وخلقنا على نحو نقوم بفعل كل ما يريد؟››
الإجابة هي كلمة واحدة وهي نفس الموجودة بالسؤال: الخالق، لا انتظر، لست أفعل مثلهم ولكن حقًا لأنه الخالق، الصانع، لنبتعد الآن عن الدين ونبحث عن إجابات منطقية، أليس صانع الإنسان الآلي يعرف بتحركاته، ولا تقل لي أيها الساذج أنه برمجه بطريقة تجعل الآلي يفعل ما يريد، لقد برمجه وبناه على طريقته فشكَّله ورتبه وفعل كل ما يجعله يعمل كالبشر فيتحرك ويتكلم ويرى ويفعل ما يأمره به صاحبه لأنه مبرمج على ذلك ولكن إن قمنا بفصل السلك المسئول عن طاعة الصانع وأضفنا به التعديلات لنجعله يفعل ما يريده فقط ومعه التعليمات وهناك القواعد التي لن يستطيع تخطيها مهما حاول جاهدًا فهل سيفشل الصانع أن يعرف ما سيفعله الآلي؟ بالطبع لا فهو من صنعه ويعرف أنه إن حاول فعل شيء سيكون هناك مجموعة من الخطوات المتسلسلة التي سيفعلها مع اختلاف كل سيناريو عن الباقي، فمثلًا إن أراد الكهرباء التي هي غذاءه وكان هناك مقابل لا يمتلكه للحصول عليه فهناك اختياران، إما أن يحاول الحصول على المقابل حتى يحصل عليها، أو يذهب للحصول عليها بدون ذلك المقابل فيحل الخراب والتدمير.
أمر البشر والمخلوقات والخالق كذلك مع وجود بعض الاختلافات الصغيرة، الله هو من خلقنا فيعرف ما سنفعل مسبقًا لأنه يعرف كيف سنفكر ويعرف كيف سنسلك الطرق، هو لم يجبرنا على الاختيار، ولم يصنعنا للقيام بما يريد رغمًا عنَّا، خلقنا الله لعِبادته، هذا هو هدفه ومراده، ولكن إن لم نُرِد ذلك فلن يجبرنا ولنا حق الاختيار، الله يعرف أن السارق سيسرق وذلك ليس لأنه خلقه لذلك ولكن لأنه يعرف أن السارق لديه من الصفات ما يكفي للقيام بذلك الفعل، تلك الصفات لم تتحكم بها دورته الدموية أو نشاط أجهزته الحيوية ولكن من صنعها هي المؤثرات الخارجية والبشر وطبائعهم وسلوكهم وغرائزهم ونحن من نسمح لأنفسنا باستقبال تلك المؤثرات؛ فإياك أن تشكل ذاتك وترسم سلوكك وتحدد مصيرك ثم تقول متحسرًا: لم يكن لي حق الاختيار، الله هو من خلقني كذلك؛ فأنت بذلك تخدع نفسك أيها الخائب.
لقد عرفت الكثير، إليك التعليمات: لا تنس أن تسير في الطريق الصحيح، تجنب العقبات، لا تنخدع بالورود فربما تخفي أشواكًا سامة، لا تتبع أحد فرُبما يقودك للطريق الخاطيء، واحذر من ذلك الناري فهو يريد أن يُلقيك في الهاوية ليستمتع بتلك الضحية الأخرى التي ستشاركه الجحيم، احذر أن تكون الخاسر؛ فالخسارة لن تعجبك بالتأكيد.
بِتُّ الآن تعلم القواعد وكذلك التعليمات، حان دورك، أنصحك بألَّا تتذمر؛ فالنهاية واحدة ولن تتغير وأنت من يختارها بكامل إرادتك، أنت على وشك البدء الآن، إلى اللقاء.
أراك عند خط النهاية وأتمنى لك الفوز، أتمنى.
#اسراء_السيد