قلب ذكرى - الحلقة الثانية

 ماحدش اكتشف إن ذكري كانت السبب، كان الذائع بينهم أن كلب ذكري دفع الدولاب في حين مروره وراه، ذكري كانت ذكية وتعتبر هي أكتر اخواتها ذكاء وجمال، فحرصت ان الكلب يكون في الاوضة لما استدعت مرات أبوها

كانت ذكري طول الشهر ونص اللي قعدت فيه مرات أبوها في المستشفى بتعيط في أوضتها، هي ماكنتش واعية في الوقت دا وندمانة أشد الندم، حتي إنها قررت تصارح أبوها بس خافت من العقاب، فقررت التخفي عن الامر، حتي ان الكل لاحظ إن ذكري خست ودبلت في الوقت دا وكانت تايهة طول الوقت

زاد الأمر سوء ١٣/٧ يوم الخميس، الساعة خمسه المغرب

حضنت ذكري تيسير صاحبتها المقربة، وقالت بفرحة "أخيرًا شوفتك، أنا فكرتك زي عيد ميلادي مش بيحصل غير كل اربع سنين" وضحكت

قالت تيسير علي اقتضاب "أدخلي عشان عيزاكي في موضوع"

ذكري وهي متجهة ناحية التلاجة "أمك عاملة أكل إيه، زهقت من أكل الڤيلا ونفسي أجرب حاجة من ريحتكم" بصت للرف اللي تحت التلاجة ف لقت سردين مملح فقالت وهي بتقفل التلاجة "لا خلاص مش عايزة أجرب"

فتحت التلاجة سريعًا وأخدت تفاحتين وقفلتها تاني، اتربعت علي كنبة الأنتريه بعد ما جابت سكينة من المطبخ ووجهت كلامها لتيسير وقالت "أحكي يا شهرزاد، أنا والتفاح مستمعين"

بصتلها تيسير بوجه عابس وقالت "إحنا أديلنا أكتر من شهرين مقابلناش بعض، إنتِ عارفة أنك أقرب واحدة ليا..." قاطعتها ذكري وهي بتبص للتفاحة باستغراب وبتقول "التفاحة دي حاسة إن طعمها مش هيكون قد كدا، ممكن اجيب واحدة احتياطية عشان لو دي طلعت وحشه أضمن حقي؟"

ذمّت تيسير شفايفها وقالت بنفاذ صبر "هاديكي التفاح كله وإنتِ ماشية، بس إسمعيني"

قالت ذكري "أوعي أمك تعرف، تقول بنت متولي خلصتلنا التفاح وهما كلهم تلت تفاحات ونص، انتوا كنتوا هاتعملوا قُرعة علي النص دا؟!"

كملت كلامها "انا هاخد النص بردوا عشان حساكم هتحتاروا عليه"

قالت تيسير وهي باصة للأرض "إيمان عيد ميلادها بعد بكره وكنتي عيزاكي تشوفي معايا أجبلها إيه؟"

علق التفاح في فم ذكري، بصتلها بصدمة بس ماتكلمتش، كأنها بتديها فرصة تكمل كلام وترد علي السؤال اللي سألته بعيونها ليها

قالت تيسير "أه رجعنا نتكلم يا ذكري، ماعرفش ليه رجعتها حياتي بعد كل اللي عملته معايا وبعد ما لقيتك بس أنا حساها اتغيرت وندمت، هي بتحبني بجد وبتحاول تثبت دا"

بدأ الحزن يسيطر علي جفون ذكري حتي إنحنت كل ملامحها كأنها قاصدة تفضحها وتظهر حُزنها، قالت ذكري بحزن "وإنتِ؟!"

ردت تيسير بتردد وعيونها بتتجول في كل مكان حواليها خوفًا من إن عيونها تتلاقي بعيون ذكري، قالت "أنا ماعرفتش أكرهها وإنتِ عارفة كدا، أنا لسه بحبها وماعرفتش أطلعها برا قلبي، لسه حاسة إني مشتاقة ليها ك..."

قاطعتها ذكري بحزن وغضب بالغ "كأقرب صاحبة ليكي صح؟! طب وأنا؟!"

ردت تيسير كأنها مجهزة الرد "أنا بحبك وإنتِ عارفة كدا"

"وبعدين!" قالتها بنفس ملامحها الحزينة

ردت تيسير بهروب "إنتِ أختي وص..."

"وأقرب حد ليكي؟"

قبضت شفايفها باستياء وقالت "إنتِ عارفة إنها بتكرهك وإنها مش بطيقك فممكن ماتجبيش سيرة ليها إننا قريبين من بعض، أنا عارفة إنه طلب غلس بس هي ممكن تبعد عني تاني و..."

مسكت ذكري إيدها بسرعة ووقفت علي ركبتها، تيسير بالنسبة لذكري حاجة كبيرة مجاش في بالها في يوم إنها ممكن تسيبها، قالت ذكري بترّجي "تيسير إحنا أقرب إتنين لبعض، إنتِ اختي وصاحبتي وأقرب حد ليا وكل حاجة، وأنا متأكدة إن انا بنسبالك كدا ومش هانسيب حد أبدًا يدخل بينا، أوعديني"

بصت تيسير في الأرض فمسكت دقنها ورفعت عيونها عشان تبقي مقابلة ليها، قالت ذكري "أنا اسفة أني انشغلت عنك الفترة اللي فاتت، أسفة جدًا والله بس كانت فترة وحشة هابقي أحكيلك عنها، بس أنا بحبك وهاعوضك، إيه رأيك نخرج بكرا؟!"

رجعت تيسير تبص في الارض، فوقفت قدامها ذكري بإبتسامة وقالت وهي ماسكة إيدها "بكرا نخرج وننسي كل حاجة ونقضي وقت مع بعض، أنا كمان هاجبلك هدية بكرا، أغلي حاجة تطلبيها"

قالت تيسير "إيمان لو عرفت إنك صاحبتي هاتبعد عني تاني، أنا ماقولتلهاش إني عرفت أصاحب من بعدها ..."

كأنها إترمت بطوبة في ضهرها خبطت قلبها بس... كأنها قاصدة! لا هي قادرة تبص وراها ولا تتحرك لقدام، أتغيرت ملامحها كأنها تاهت، تاهت في لحظة بعد ما كانت قاعدة مع أقرب حد ليها وبر أمانها الوحيد، تاهت وهي عارفة طريق الخروج، بس يمكن لأول مرة ماتوهش عن عنوان كالعادة، هي تاهت عن...نفسها

سابت أيدها ومشيت ناحية الباب، حطت إيدها علي مقبض الباب بمنتهي الضعف والهزيمة، بتعاتبها أشد عتاب بينها وبين نفسها بس مش عارفة تتكلم، مش قادرة تقول حاجة، فتحت الباب ومشيت من غير أي رد فعل!

ركبت عربيتها ووصلت للڤيلا، جرت علي أوضتها وفي ثانية إتحول البرود والجمود واللامبالاة لبركان من الثوران، خبطت علي الحيطة بإيدها الإتنين وأتطاير الشرار من عينها، صرخت بأعلى صوت كتمته بأنين، قالت بِحرقة " لقتيني في طريقك وقت ماكنتي مهزومة منها...لقتيني قدامك وكنت ساندة طولي وسندتك، إديتك من وقتي ومن حبي لأمي اللي ماحدش ينفع يشاركها فيه، أنا ماعنديش صحاب غيرك وكان وقتي كله ليكي عشان أعوضك عنها، ويوم ماترديلي العوض ترميني وسط كومة قش أدور علي إبرة شبهك!"

خبطت بقوة إيدها علي الحيطة وهي ماتعرفش دي الخبطة الكام بس هي مش حاسة بألم، قالت بدمعة متطرفة في عينها وبصوت أوطي مستسلم "هدتيلي طولي اللي سندته بالعافيه بعد موت أمي...حرام عليكي" ونزلت الدمعة علي خدها

حست بتعب فرمت نفسها علي السرير، وفي غضون دقايق كانت نايمة من التعب، ارتاح صدرها بعد ما كان بيهبط وبينزل بسرعة

صحت من النوم الساعة واحدة بالليل، رنت علي تيسير وقالتلها تستناها قدام البيت، استغربت تيسير من طلبها بس لبست حجابها ووقفت قدام البيت لقيتها جاية عليها

جهزت ذكري العربية بإنها تكون مانعة للصوت، وصلت عندها ونزلت من العربية وشاورتلها تركب، استغربت تيسير بس ظنت إنها هاتقولها حاجة في العربية عشان ماينفعش يقفوا في الشارع في الوقت دا، ركبت تيسير العربية وقفلت الباب

قفلت ذكري ابواب العربية كلها وإتحركت بالعربية بسرعة كبيرة، اتصدمت تيسير وحاولت تخليها توقف العربية لكن ماعرفتش، حاولت تفتح الباب ماعرفتش، حاولت تصرخ ماحدش سامعها غير إن الإزاز غير مرئي، اللي برا مايعرفش يشوف اللي جوه

بصتلها تيسير وهي لسه جواها ثقة بإنها مع صاحبتها ذكري وإنها مستحيل تأذيها، كان الفضول جواها تعرف هي بتعمل ليه كدا بس، قطعت ذكري مسافة كبيرة بالعربية وهي ساكتة تمامًا وعلي وشها كل علامات الغضب والتجهم

وقفت في مكان عتمة جدًا وباين عليه منطقة جبلية فيها بعض البيوت المتطرفة في إحدى المناطق الغير معتمرة، نزلت ذكري من العربية بعد ما سابت كشافات العربية شغالة، فتحت الباب لتيسير ونزلتها

بصت تيسير حواليها لقت نفسها في مكان تعرفه كويس بس إيه جابهم هنا!

سألت تيسير باستفهام برئ "إحنا جينا هنا ليه في الوقت دا، مامتي زمانها قلقانة وهاتعملي ميت حوار لما أرجع"

قالت ذكري بجمود وهي بتصك علي فكها "دا أكتر مكان لو صرختي فيه ماحدش هايسمعك، وماحدش هايهتم يجيلك "

بدأ الشك والخوف يتسرب لجسمها، بلعت لعابها وقالت "مش فاه‍.." ماكملتش الجملة ولقت كف نازل علي خدها، مالحقتش تحط إيدها علي خدها ولقت الكف التاني نازل وراه، زقتها ذكري وقعتها علي الرمل، قعدت فوق بطنها وإنهالت عليها في الضرب حتي نزفت من مناخيرها، كان معاها ساعق كهربائي في العربية قامت تجيبه فانتهزت تيسير الفرصة وقامت من مكانها تجري بس لحقتها تيسير وكهربتها من دراعها الشمال، كررت كهربتها ليها أكتر من خمس مرات، رجعت انهالت عليها بالضرب تاني حتي فقدت وعيها

رجعت ذكري للعربية تاني وجابت خشبة طويله وعريضة، الضربة الواحدة منها ممكن تسبب كسر، ووقفت قدامها بدون أي شفقة وضربت رجلها الشمال مرتين، صرخت تيسير من الألم حتي باح صوتها من كتر الصراخ علي الرغم من انها كانت فاقدة للوعي، ملانش قلب ذكري ولو لمرة واحدة وانتقلت بالضرب علي الرجل اليمين وبعدين بصقت علي وشها بمنتهي عدم الشفقة

بعدها جرّتها لحد العربية وقعدتها علي الكرسي، وركبت هي كمان، فتحت إزازة ماية ودلقتها علي وشها وقالت "ماتجبيش لحد سيرة باللي عملتوا فيكي، إمك بتتعالج علي حسابي ولو قولتي حاجة هوقف علاجها وهامنعها من انها تدخل مستشفة بابا تاني وساعتها أبقي دوري بيها علي المستشفيات الحكومي وعليا لو إتعالجت " شادتها من لياقة البلوزة وهي بتبرق ليها بعيون كلها شر وقالت "سمعاني ولا مش سمعاني"

حرّكت تيسير رأسها بالموافقة وهي بتعيط من الألم، رجعتها بالعربية علي أول شارعها وزاحتها من العربية وقعتها علي الارض وكان بينها وبين بيتها عشرين متر، انطلقت ذكري بالعربية وتيسير زحفت بكل قوتها وهي تتأوه بشدة من الألم لحد ما وصلت بيتها، كانت كاتمة صوت بكاءها وصريخها خوفًا من إن حد يطلع من بيته ويشوفها وهي في الحالة دي وساعتها كل لسان مش هايبطل كلام عليها

حمدت ربنا إن الشارع في الوقت دا ماكنش فيه أي مخلوق، قدرت توصل البيت بعد ما فرغت كل قواها علي باب بيتهم، طلعت مامتها علي صوت الخبط وصرخت أول ما شافتها فسرعان ما رفعت تيسير إيدها بصعوبة شديدة محذرة ليها بإنها ماينفعش تصرخ

رجعت ذكري البيت ولقت أبوها لسه مارجعش، حمدت ربنا، لقت أخواتها سهرانين في أوضتهم بالطابق التاني، دخلت أوضتها وجرت علي الحمام الملحق باوضتها، ضعطت بإيدها المرتعشتين علي الحوض وبالكاد كانت ماسكة نفسها من العياط، ضربت نفسها بالقلم، إنهالت علي نفسها بصفعات إيدها علي وشها، قعدت في زاوية الحمام وهي بتعيط وبتأن

صوت جواها "إيه اللي أنا عملته دا؟! أنا ضربت تيسير وكانت هتموت بين إيدي، أنا كنت هموت أقرب صاحبة ليا، أنا بقيت كدا أمتي!"

رجعت وقفت وبصت لنفسها بصدمة قدام المراية، رجع الصوت يتكلم تاني "أنا مابقتش أرتاح غير لما أنتقم، أنا بقيت مجرمة، مابعرفش أتحكم في نفسي، أنا كنت عارفة إني رايحة اقتلها بإيدي وماقدرتش أمنع نفسي" دفنت راسها بين إيديها وداست بكل قوتها، هي مابقتش قادرة تسيطر علي حاجة

غسلت وشها عدة مرات، كأنها في حلم وبتحاول تصحي منه، رجعت بصت للمراية بس المرادي وهي بتكلم نفسها

قالت بتلعثم ورُهبة "أنا لازم أروح لدكتور، أنا لازم أعرف مالي، أنا لازم أعرف"

------------------

كانت ذكري في أوضتها لما دخلت عليها إيناس وقالت "هتروحي الكلية أمتي! في كذا محاضرة مهمة إنهاردة"

استغربت ذكري من دخول إيناس عليها من غير ما تخبط الباب، قامت من علي السرير واتجهت ناحية الباب عشان تجذب انتباه إيناس إنها تبص لبرا الاوضة ومتركزش علي حاجة جواها، غير إنها قفلت نور الاوضة، سألت إيناس باستغراب "مالك في إيه؟ قفلتي النور ليه؟"

قالت ذكري بتوتر "خارجة أرتب المطبخ، عليا شغل" وبصت ليها بإيماءة تعني إنها عيزاها تخرج

قالت إيناس "طب ممكن بعد ما ترتبي المطبخ وتخلصي شغلك تستدعيني لأوضتك المتواضعة أجي أقعد عندك شوية ونتكلم" وابتسمت ببراءة

قالت ذكري في اقتضاب وصرامة "ببقي تعبانة وهنام"

هزّت إيناس راسها باستياء من تصرفاتها الغريبة وخرجت من الاوضة، تابعتها ذكري بعيونها لحد ما اختفت من قدامها، بصت لأوضتها ولرف الكتب وزوايا الاوضة وقفلتها باطمئنان وراحت المطبخ

كانت إيناس تراقبها من فوق وفور دخولها للمطبخ نزلت إيناس بسرعة ودخلت أوضتها

#يتبع...

#أميمة_عبدالله



الكاتب الرمادي

إن لم ترى نفسك في عيون الآخرين فأعلم أنك لم ترى نفسك مطلقًا وأن عقلك يخدعك عن ما تعرفه عنك لا محالة.. فلم نخلق لنرى ما بداخلنا بل لننظر داخل الآخرين..

إرسال تعليق

أحدث أقدم