قلب ذكرى - الحلقة الأولى

 ودي كانت أغرب خدّامة جات عندنا لحد ما تميت ال٢٤ سنة وأتجوزت في إكورانيا وكنت بقعد فترة كبيرة عشان أرجع أتواصل مع أهلي نظرًا لظروف شغلي

---------------

أتذاع في إحدى أيام أكتوبر من خمس سنين إن بيت كبير فخم في شارع جانبي داخل شارع كبير يُدعي الأباصيري في محافظة بني سويف إتسرق، ماكنتش حالة سرقة غريبة، كانت عادية وتقليدية، خدّامة سرقت حاجات من البيت في أواخر أيامها قبل ما تمشي، كانت هاتتجوز وبدأت تختفي حاجات من البيت من وقت للتاني بدون علم حد

إتجوزت الخدّامة وأهل البيت رفضوا يستدعوا الشرطة لأنها عاشرتهم أكتر من ١٢ سنة، جات صغيرة واشتغلت عندهم لحد ما كبرت وجه اللي ياخد بإديها لدنيا تانية خاصة بيهم

دا الكلام اللي إتذاع في المنطقة المحاطة بيهم في الوقت دا، ولكن الجزء المخفي إن الأهل استدعوا الشرطة فعلاً وجات البيت، بس بنتهم "إيناس" هي اللي وقفت قصادهم ومنعتهم من إنهم يبلغوا عنها أو يذكروا حاجة عنها ويسبوها تستقر مع جوزها في أمان

ونظرًا لعلاقات والدها الكبيرة استجابت الشرطة في صمت وهدوء وخرجت من البيت بدون ما يتسبب حد فيهم في مشاكل أو شوشرة، بعد ما مشي أخر شرطي من البيت دخلت إيناس أوضتها وبكت بحرقة، علي الرغم من إنها كانت مجرد خدامة في نظر أهلها إلا أنها كانت أقرب صاحبة لإيناس

كانت بتقسم معاها مصروفها وبتديها نصيبها في أي حاجة والدها أو مامتها بيجبوهالها، كانت إيناس في الوقت دا في اواخر عامها ال١٨ وفي بدايات دخولها لكلية الألسن بعد ما حققت مجموع كويس في الثانوية

قعدت فترة كبيرة رافضة دخول أي بنت تانية البيت، وكانت حزينة كل الحزن علي صاحبتها اللي حتي مابقتش تعرف مكانها فين حاليًا، جواها حاجة بتدفعها إنها تدور عليها وتسألها ليه عملت كدا! وكانت علي أتم الاستعداد تسامحها حتي لو كانت الأسباب غير مُقنعة، بس فشلت في إنها تعرف مكانها أو حتي تستجري تنطق أسمها تاني في البيت

انغمست إيناس في كليتها وتخيل أهلها إنها نست موضوع الخدامة القديمة وإن دا الوقت الصح إنهم يجيبوا خدامة جديدة

رجعت إيناس البيت ودخلت أوضتها لتتفاجئ ببنت واقفة ترتب سريرها، بمجرد ما شافتها بدأت العروق تبرز في جسمها من شدة الغضب، واستجمعت كل طاقتها في صوتها وبدأت تزعق

زعقت بأعلى صوتها بإنها مش عايزة أي حد ييجي البيت وكمان سن البنت الجديدة مقارب لسنها، وإنهم ييعيدوا نفس الغلط تاني معاها، نظرًا لأن إيناس انطوائية وفاشلة في تكوين صداقات بالخارج، سواء علي حد عائلتها أو في الكلية، بتستني إن اللي قدامها ييجي يصاحبها ويبدأ هو يقربها منها

والخدامة القديمة كانت بتودد ليها كتير ودا اللي خلاها تتقرب منها وتفتح في قلبها باب ليها، وإن الجديدة هاتعمل نفس اللي عملته الخدامة القديمة وهاتتودد ليها عشان تكسب رضاها بدافع إنها لازم تعمل كدا

انتهت من صياحها الزيادة عن اللزوم في نظر أهلها، تقدّم منها أبوها والشرار بيطلع من عينيه وقال "سبنالك الوقت الكافي أنك تنسي صاحبتك وجينا علي نفسنا وعلي شغلنا عشان مانحسسكيش بحاجة، بس لحد هنا وكلمة كمان وهاتشوفي مني وش وحش مش هايعجبك، والبنت اللي فوق دي تعامليها كويس زي ماكنتي بتتعاملي كويس مع اللي قبلها، هي ملهاش ذنب في حاجة ولا جاية هنا عشان نهينها ونطلع عليها ماضينا الوحش"

انتهى من كلامه ومازلت عينيه جاحظة من كتر الغضب، سابته إيناس وطلعت لأوضتها وكانت البنت بتحط الهدوم في الدولاب

قالت إيناس وكان باين عليها تنوي الشر " اسمك إيه إنتِ؟"

وقفت البنت مكانها من غير ما تلتفت ليها، عدّلت لياقة قميصها وبصت ليها بملامح جامدة خالية من التعبير، قالت "ذِكري"

استغربت إيناس شوية من لبسها، كان باين عليه غالي ولاحظت إن الكوتش جديد ومهتمة بنظافتها الشخصية، باين علي الجزء اللي باين من رجلها واهتمامها بضوافرها، ساعتها الغالية اللي في إيدها، لفتها للطرحة بشكل كويس كأنها مسؤولة عن قسم اداري في شركة، إستايل لبسها الكاجوال المترتب، طريقة كلامها الراسية واللي بانت نوعًا ما high class

ظهر استغراب علي وشها كان بيزيد لما بتتدقق في تفاصيلها أكتر، خدها الفضول أكتر لما بصت علي الرف الأخير ولقت الكتب الأجنبية اللي بتحب تقرأها

فقالت إيناس "ممكن تقوليلي أسماء الكتب اللي فوق دي عشان عايزة أقرأ كتاب منهم إنهاردة عبال ما أختار طقم ألبسه، مش هعرف أعمل الأتنين في نفس الوقت غير إن الكتب دي جديدة وانا ماركزتش في كل الأسامي بصّت ذكري بنفس ملامح الجمود للرف الأخير وقالت

 " The Power of Habit" ، وكتاب "don't be sad"

كانت هاتكمل ف قاطعتها إيناس وقالت "إتعلمتي فين تقري إنجليزي!

سكتت ذكري وماردتش، كانت بتبصلها بأعين مستعجلة بإنها تسيبها تكمل شغلها مش أكتر، كررت ذكري سؤالها "سألتك ردي"

إنحني خدها الأيسر في ابتسامة مقتضبة وقالت "مش مرحبة بالسؤال"

ضحكت إيناس بسخرية منها وقالت "طب أنا بطلب منك تردي علي سؤالي ياست ذكري"

ردت ذكري بتعابير وش مفهاش إنفعال "حاضر"

سكتت ذكري وبعدين قالت "من وأنا صغيرة بعرف أقرأ إنجليزي كويس واتكلم بيه وبحكم كليتي..."

قاطعتها إيناس وقالت "إنتِ في كلية!"

ردت ذكري "أه كلية ألسن"

بصدمة " هنا في بني سويف؟"

قالت ذكري "أه"

استعجلت إيناس بسؤالها التاني "معايا يعني، طب إنتِ بتعرفي توفقي إزاي بين شغلك هنا والكلية"

ردت ذكري بانتهاء الحوار "هحاول أخلص شغلي بدري هنا وأحضر بس المحاضرات المهمة وأجي أكمل شغل، والدة حضرتك تفهمت النقطة دي"

قالت إيناس بفرح بعد ما مدت إيدها "أنا في سنة أولي قسم انجليزي"

قالت ذكري بعد ما صافحت إيدها من غير ما يعلو وشها أي علامات صدمة "وأنا كمان"

رفعت إيناس حاجبيها وقالت بصدمة "يخربيت الصدف، أظن هانبقي أصحاب وتروحي معايا في العربية وتيجي معايا ونذاكر مع بعض، أنا هاروح المحاضرات المهمة بس زيك"

ظهر علي وش ذكري الارتباك بس هي قدرت تخفيه، وقالت بابتسامة مصطنعة "أتمني أكون صاحبة كويسة"

بادرت ذكري بالانسحاب من قدامها فمسكتها إيناس من إيدها وقالت "بس غريبة إني ماكنتش بشوفك الفترة دي كلها في الكلية"

ردت ذكري "إنتِ ما بتحبيش الزحمة، وأنا على طول فيها، فكان صعب نشوف بعض"

مفهمتش إيناس الإجابة بس قالت "هنقعد مع بعض كتير الفترة الجاية وأعرف حياتك كلها، عندي فضول" وابتسمت ببراءة

بادلتها ذكري نفس الابتسامة ومشيت من قدامها عشان تنزل تكمل شغلها تحت

--------

قبل خمس شهور من اليوم، كانت ذكري بتجهز ورقها عشان تحول لأي كلية في أي محافظة بعيدة عن أهلها وبعد محاولات كتير جالها كلية ألسن في بني سويف، أخدت شهادة ميلادها وكل الورق اللي يخصها في البيت وصورة أمها قبل ما تقرر تهرب من أبوها وهي في خروجه معاه ومع أخواتها البنات الأتنين ومرات أبوها، كانت هي أصغرهم وأكترهم بُعد وكره لأبوها

بس دا مش سبب إن ذكري تقرر فجأة تسيب بيت أبوها وهي علي علم إنها عايشة عيشة كتير من البنات بيحلموا يعيشوا جزء منها

انتهى الحال لما ذكري عِرفت إن مرات أبوها حامل، كانت الحياة ماشية سليمة وسلسة بينهم، بس فجأة ذكري اكتشفت إنها شخص عدواني بصورة كبيرة، لما في مرة حاولت تخلي مرات أبوها تجهض ابنها، مع إن هي مش علي كراهية بمرات أبوها، بس كل اللي كان بيدفعها إن دا إنتقام لأمها بسيط من معاملة أبوها الوحشة ليها قبل موتها، وإن دا هيكون رد بسيط من القساوة اللي دوقهالها، هو كان أشد قاسي لأمها وليهم في بعض الأحيان مع إن أمها كانت علي حب شديد بيه مخليها تبررله كل أفعاله، فكان حبها الشديد سبب موتها حسرة وتعب نفسي أكل في جسمها فخلاها هزيلة، زال جمالها ف ما لبث أبوها حتي إتجوز بالتانية، ف دا كان دافع أمها الوحيد إنها تدخل في اكتئاب انتهى بنقصان وزنها بشكل كبير في مدة صغيرة.. والموت.

استدعت مرات أبوها لأوضتها وخليتها تدور معاها علي سلسلتها الضايعة تحت السرير، كان في مسافة كبيرة بين السرير وبين الميني دولاب بتاعها اللي بتحط فيه الكتب والهدايا من أصحابها، كانت علي علم إنها لو دفعت الدولاب ومرات أبوها موطية علي الأرض واخدة وضع السجود إن الدولاب هايصيب ضهرها وبكدا هاتكون إتخلصت من الجنين

وقفت ورا الدولاب ودفعته فعلاً

في المستشفى أعلن الدكتور موت الجنين وإن الأم هتحتاج كام يوم رعاية في المستشفى، فحركتها بأي شكل هاتؤدي لمضاعفات هما في غني عنها، والأيام دخلت في شهر ونص حتي أعلن الدكتور موعد خروج ليها وكانت شب صحية البدن، ف كانت تستند في مشيتها علي والدها

محدش اكتشف إن ذكري كانت السبب، كان الذائع بينهم أن كلب ذكري دفع الدولاب في حين مروره وراه، ذكري كانت ذكية وتعتبر هي أكتر اخواتها ذكاء وجمال، فحرصت ان الكلب يكون في الاوضة لما استدعت مرات أبوها

كانت ذكري طول الشهر ونص اللي قعدت فيهم مرات أبوها في المستشفى بتعيط في أوضتها، هي ماكنتش واعية في الوقت دا وندمانة أشد الندم، حتي إنها قررت تصارح أبوها بس خافت من العقاب، فقررت التخفي عن الامر، حتي ان الكل لاحظ إن ذكري خست ودبلت في الوقت دا وكانت تايهة طول الوقت

زاد الأمر لما...

#يتبع

#أميمة_عبدالله



الكاتب الرمادي

إن لم ترى نفسك في عيون الآخرين فأعلم أنك لم ترى نفسك مطلقًا وأن عقلك يخدعك عن ما تعرفه عنك لا محالة.. فلم نخلق لنرى ما بداخلنا بل لننظر داخل الآخرين..

إرسال تعليق

أحدث أقدم