ودقت العاشرة-المقدمة

 المقدمة

اعتدنا أن تدق الساعة الثانية عشر ليلًا حتى تركض سندريلا و تعود إلى منزلها في أطراف المدينة، و اليوم ستدق العاشرة حتى تركض باتجاه المنزل، لكنها ليست سندريلا و لا حتى في زمانها، إنها سندريلا بأحدث صيحة في هذا الزمن، سندريلا في ثياب العصر الجديد، لكن الاسم مختلف و الأشخاص قد اختلفوا، لا فساتين لا عربات سحرية، لا فئران لا قطط، فقط فتاة في عمر الزهور في نهاية المرحلة الإعدادية و بداية الثانوية تعيش في إحدى القرى الريفية مع أسرتها السعيدة الهانئة، فيا تُري ما هي حكاية سندريلا العاشرة ليلًا.

و دقت العاشرة

(ابنة الشريف)

(1) كيف هذا؟!

أعتقد أن ما حدث لتلك الفتاة لا يمكن تصديقه، فمن منا يصدق أن بإمكاننا التواصل مع أشخاصٍ في غيبوبة بعد حادث سير، و من يعتقد بأن جسده يمكن مشاركته مع شخص آخر، و من الذي يقع في حب روحٍ شبه فانية، هذه الرواية تبدأ في تلك القرية الهادئة في ليلة من ليالي الشتاء الباردة الممطرة، خرجت تلك الفتاة ذات السادسة عشر ربيعًا تركض باحثة عن صيدلية في تمام العاشرة مساءً لتشتري العلاج لجدتها المريضة، كانت تركض بأقصى سرعة باتجاه الصيدلية و عندما شارفت على عبور الطريق ظهرت تلك السيارة المرسيدس السوداء اللون بأضوائها العالية فتسمرت قدماها في المكان و لم تستطع التحرك و نظرت إلى السيارة بهلع شديد و خوف و عندما اقتربت منها وضعت يديها على وجهها تلقائيًا، لكن فجاءة توقفت السيارة، و لاحظت الفتاة بأن الشخص الذي بداخلها غائب عن الوعي، بدأت قواها تعود لها، و اتجهت إلى الصيدلية و ما إن دخلت حتى قابلها ذاك الطبيب ذو الثلاثين ربيعًا، نظرت له بهدوء قائلة بقلق و هي تمد يدها إليه بتلك الورقة...

-العلاج ده موجود؟!

أمسك الطبيب الورقة و نظر فيها بتفحص ثم رفع نظره إلى تلك الفتاة ذات البشرة البيضاء التي تخلطها الحمرة التي ربما تكون قد تكونت نتيجة ذاك البرد القارص في الخارج، و عينيها السوادوتان القلقتان، و شفتيها التي ترتعش من شدة الخوف و أنفها المتوسط الحجم، ابتسم الطبيب لها بهدوء قائلًا بصوت دافئ...

=موجود يا أنسة...

-طيب ممكن تقولي سعره؟!

=٨٧٠ ج. م...

أجابها بابتسامة هادئة، فأخرجت المال من جيب بنطالها و أعطته لها قائلة...

-اتفضل و يا ريت بسرعة...

أخذ الطبيب المال منها و اتجه إلى أحد الرفوف الزجاجية و أمسك عدة عُلب موضوعه و اتجه إليها قائلًا بهدوء...

=خليها تاخد العلاج في مواعيده، علشان ما يحصلش جلطة لا قدر الله...

ابتسمت له قائلة بهدوء..

-حاضر يا دكتور...

أخذت العلاج و اتجهت إلى الخارج و لاحظت أن تلك السيارة لم تتحرك من مكانها، فتعجبت من الأمر و فجاءة ظهر ذلك الشخص أمامها قائلًا لها بهدوء...

-لو سمحتِ فين المدرسة الثانوية إللي في القرية هنا...

صُدمت من كلماته و ارتعبت منه فالشارع الذي تسير فيه لم يكن يوجد فيه سواها منذ لحظات نظرت له برعب و ركضت باتجاه منزلها و الخوف يتملكها و فجاءة تذكرت السيارة و الشخص الذي كان بداخلها دخلت إلى المنزل و أعطت والدتها العلاج و القلق يتملكها، لاحظت والدتها الأمر لكنه لم تعره اهتمامًا و أعطت لجدتها العلاج قائلة بهدوء...

-يلا يا شادن نامي علشان مدرستك بكره بدري...

=حاضر يا أمي بس بابا هيجي امتى اتأخر أوي؟!

سألتها بقلق، فابتسمت الأم و نظرت لها بحنان قائلة..

-زمانه على وصول، هو مش من عادته يتأخر كده، بس أكيد في حاجة حصلت في الشغل.

=خلاص أنا هطلع أنام و لما بابا يجي صحيني علشان أسلم عليه.

أنهت جملتها بهدوء و صعدت إلى غرفتها في الطابق الثاني من المنزل و اتجهت إلى فراشها الهادئ لتخلد إلى النوم، و قبل أن تغمض عينيها رأت نفس الشخص الذي قابلته في الشارع فصرخت بصوت عالٍ، فاتجهت والدتها إليها راكضة و فتحت الباب و أخذتها في أحضانها قائلة...

-مالك يا شادن؟!

نظرت شادن إلى ذاك الشخص و أشارت إلى مكانه بخوف قائلة...

=هو يا ماما دخل هنا ازاي؟!

نظرت والدتها إلى حيث أشارت و لم ترَ شيئًا، فصُدمت لكن سرعان ما نفت شعورها بالقلق و لسان حالها يقول...

-أكيد لما طلعتي بره في الوقت ده خوفتي.

نظرت إلى ابنتها و ربتت على ظهرها قائلًة...

-نامي يا شادن، أكيد بيتهيألك يا حبيبتي...

نظرت لها شادن بقلق كأنما أرادت أن تصرخ فيها و تخبرها بأنه موجودٌ معهم لكنها لم تتحدث و لم تنطق ببنت شفه، خرجت والدتها من الغرفة و تركتها تصارع خوفها وحدها، نظرت له بقلق قائلة بحذر...

-عايز إيه؟!، و إزاي دخلت هنا؟!

-أنا كل إللي عايزه أعرفه مكان مدرسة الرحبة الثانوية، و دخلت معاكي...

أجابها بهدوء فنظرت له بخوف قائلة و هي تشير إلى شاشة التلفاز المشتعلة خلفها....

-مش أنتَ ده؟!

فنظر إلى التلفاز بصدمة لا يصدق ما يراه أمامه و صرخ بقوة قائلًا.

-ده مستحيل...

بدأ خوفها يزداد فاقترب منها و حاول أن يُمسك يدها ليطمئنها إلّا أنه لم يستطيع و عبر من خلال جسدها، و هنا فقط أحس بالعجز و نظر إلى شاشة التلفاز و ما إن رأت شادن ذلك حتى أمسكت ألة التحكم و رفعت الصوت لتسمع إلى ذاك الخبر...

في تمام الثامنة و النصف على مشارف قرية الرحبة تعرضت سيارة لحادث مروع و نُقل صاحبها إلى المشفى في حالة حرجة، و اتضح لنا من بعض مصادرنا أن ذاك الشخص هو باسل المغاربي وريث شركة المغاربي و الابن الوحيد لحسين المغاربي، و نقل لنا أحد مصادرنا بأنه يعمل مُعلمًا في وزارة التربية و التعليم و لا يشارك بنشاط شركة والده البتي.

ما إن انتهت تلك المذيعة من كلماتها حتى أغلقت شادن التلفاز و نظرت له بعيون متسعة قائلة له...

-أنتَ ازاي ظهرت لي أنا هتجنن، أنتَ لا يمكن تكون بشر...

لم يجبها و إنما اكتفي بالصمت و نظر إلى شاشة التلفاز بهدوء في محاولة منه لتذكر ما حدث، لكن دون جدوى، لم يصدق ما حدث، نظر لها قائلًا...

-ممكن تفتحي التي في تاني لو سمحتِ.

أمسكت ألة التحكم و أشعلته من جديد، فإذا به يرى خطيبته و أخيها يتحدثان عبر التلفاز بكل أسف و بأنها تدعي بأنها زوجته، صُدم مما يحدث و ابتسم بتهكم و تجمعت الدموع في عينيه، فها هو يكتشف بأن هدف من أحبها لم يكن سوي ثروة والده التي لم ينل منها شيئًا.

فجاءة سمعت شادن صوت والدها فاتجهت ركضًا إلى أسفل و ارتمت في أحضانه و هي تبكي، فاحتضنها قائلًا...

-اهدي في إيه كان في حالة جاية عامله حادثة و ما عرفتش أخرج من المشفى غير لما عملت إللي أقدر عليه...

-بس على الأقل كنت اتصلت علينا و طمنتنا يا بابا...

قالتها بحزن فنظر إلى زوجته الواقفة بعباءتها البيتية و شعرها الأسود الطويل المجموع على شكل ذيل حصان و وجهها الخمري المخلوط بالحمرة و أنفها الرفيع و عينيها المتوسطتا الحجم البنية و شفتيها الرقيقة الوردية التي تملئها الإبتسامة و ابتسم بعتب قائلًا..

-ليه ما قولت لهاش يا شادية إني في العمليات؟!

-ماما تعبت و نسيت و لما هي راحت تجيب العلاج كانت الساعة داخلة على عشرة و لما رجعت كنت نسيت أقولها أصلًا...

أجابته بابتسامة، و تحدثت تلك الطفلة قائلة بحنان...

-مش مهم، المهم إنك رجعت بالسلامة.

قَبل رأسها و نظر إليها قائلًا بحنان..

-حبيبة قلبي اطلعي نامي علشان مدرستك الصبح.

ابتسمت له و ودعته هو و والدتها و صعدت إلى غرفتها بهدوء.

نظر إلى شادية بحنق قائلًا...

-أنا مش قولت ميرال ما تطلعش بره البيت بالليل...

اقتربت منه شادية و وضعت يديها على صدره بحنان و نظرت في عينيه بهدوء قائلة..

-و كنت هسيب ماما لمين يا أسامة...

تنحنح أسامة و أمسك يديها بهدوء و نظر في عينيها قائلًا...

-بنتك كبرت يا شادية و ما ينفعش تخرج لوحدها في وقت زي ده..

-حاضر مش هتتكرر تاني

في غرفة شادن كانت جالسة على طرف السرير بحذر تريد أن تتحدث معه لكنه لاحظت شروده و لم تنطق ببنت شفه، سحبت الغطاء و دثرت نفسها و أغمضت عينيها بهدوء شديد فلاحظ نومها و حاول أن يوقظها إلا أنه لم يفعل ذلك و نظر إليها بهدوء يتأمل ملامح وجهها الهادئة ذات الطابع العربي الأصيل، و عندما كان يتأملها غفت عينه و خلد إلى ثبات عميق، و قُرب صلاة الفجر استيقظ ذاك الحاضر الغائب و أيقظها بهدوء و عندما فتحت عينيها نظرت له و كادت تصرخ إلا إنها تذكرت قصته فهدئت قائلة له بجدية...

-عايز إيه؟!

ضحك من تصرفاتها و نظر لها قائلًا بهدوء...

-الفجر أذن، و أعتقد إنك المفروض تصلي و تجهزي هدومك و نفسك؛ علشان المدرسة، قالها باسل.

-حاضر..

قامت شادن و اتجهت إلى الحمام خارج غرفتها و توضئت، ثم خرجت و عادت إلى غرفتها اتقابل والدها الذي تعجب من رؤيته لها مستيقظة من نومها في مثل هذا الوقت.

-أنتِ ما نمتيش و لا إيه؟!، سألها أسامة بهدوء.

-لأ نمت يا بابا بس سمعت الأذان و قومت علشان أتوضي و اصلي و اجهز علشان أروح المدرسة، أجابته بإبتسامة و هي تفرك كلتا يديها ببعضهما البعض.

-ربنا يحفظك و يثبتك على طاعته يا شادن، قالها و هو يضع يده على رأسها و يرفع يده الآخري داعيًا إلى الله بكلماته.

ابتسمت شادن و عادت إلى غرفتها و ما إن دخلت حتى ارتدت إسدال الصلاة و أخذت السجادة و نظرت إلى ذاك الواقف بملابسه و ملامحه الحادة و عينيه الشهلاء، و لم تتحدث و فرشت السجادة فاقترب منها قائلًا...

-إللي أنا أعرفه إن المرأة لا تصلي بالرجل.

-هو حضرتك ما صلتش لسه؟! سألته بهدوء و هي تغض بصرها عنه.

-منتظرك، أجابها بإبتسامة.

-طيب اتفضل و أنا هقف ورا حضرتك...

وقفا الإثنان للصلاة و صلا معًا، و عندما بدأ يقرأ القرآن جذبها صوته الذي يغرد بآيات الذكر الحكيم، أنهى صلاتيهما و قامت شادن و خرجت من الغرفة و عادت بعد بضعة دقائق و هي تحمل المكواة و الطاولة، وضعتهم و اتجهت إلى خزانة الملابس و أخرجت ثيابها التي سترتديها اليوم و بدأت بكيها و دخلت شادية على شادن و هي تكوي الملابس و نظرت لها بتعجب قائلة و هي تضع يدها على صدرها...

-شادن أنتِ كويسة؟! سألتها بقلق مخلوط بتعجب ثم اقتربت منها و وضعت يدها على رأسها فابتسمت شادن و أجابتها بهدوء...

-آيوه يا أمي كويسة، في إيه؟!

-مش عادتك يا بنتي تقومي من بدري و كمان تكوي هدومك، ده أنتِ كنتِ بتصلي و تنامي و كنت باجي أقومك علشان المدرسة...

أجابتها الأم بهدوء، فابتسمت شادن لوالدتها...

-قومت من نومي و لقيت نفسي صاحية قولت أكوي الهدوم و اجهز نفسي للمدرسة، بالمناسبة يا أمي عطيتي لجدتي العلاج؟!، سألتها شادن بقلق واضح في ملامحها.

-و الله يا شادن لسه هروح أدهولها، فكرتيني. أجابتها الأم بذهول.

-طيب يا أمي اهتمي شوية بالعلاج و خليها تاخده في مواعيده علشان الدكتور امبارح قالي إن ممكن لا قدر الله يحصل جلطة.

أجابتها شادن بهدوء لكن لهجتها كانت محذرة، فخرجت والدتها و اتجهت من فورها إلى أسفل حيث تسكن الجدة، و دخلت عليها بهدوء قائلة...

-صباح الخير يا ماما...

-صباح النور يا بنتي، أجابتها تلك السيدة التي تكسو التجاعيد وجهها و تضع تلك النظارات الطبية على عينيها بهدوء.

اقتربت شادية من تلك الطاولة و أخرجت العلاج و أعطته لها بهدوء و بعدما أنهت تناوله نظرت لها قائلة بحب..

-روحي يا بنتي ربنا يعوض صبرك خير و يخلف عليكي في شادن و تكون أحسن إنسانة و تعاملك أحسن ما بتعامليني..

اقتربت شادية من حماتها و قبلت رأسها قائلة بحب..

-احنا من غيرك ما نساوش يا ست الكل..

وضعت تلك السيدة يدها على ظهرها و ربتت عليه بحنان.

في ذلك الوقت، كانت شادن قد انتهت من كي الملابس و عدلت الطاولة و خذت المكواة و أعادتهما إلى مكانهما مرة آخرى، ثم عادت إلى غرفتها و رتبت فراشها بهدوء و اقتربت من فراشها و جلست بجوار ذلك الكوميديون و وفتحته و أخرجت منه الكشاكيل و الأقلام، و

قامت و اتجهت إلى الخزانة وأخرجت حقيبتها الجديدة و وضعتهم بداخلها، كان باسل يراقبها بهدوء دون أن يصدر أي صوت لدرجة أنها نسيت تواجده معها في نفس المكان، جهزت شادن حقيبتها و خلعت الإسدال و علقته على تلك الشماعة بهدوء و سمعت صوت والدتها الذي يصدح باسمها فركضت إلى أسفل...

-خير يا أمي في إيه؟! سألتها بقلق و هي تضع يديها بجوارها و تقف بأدب أمام والدتها.

-خير يا حبيبة قلبي، معلشي خضيتك...

-لأ و لا يهمك،قالتها شادن بإبتسامة واسعة.

-أعملك سندويتشات إيه؟! سألتها بحيرة.

-اممم اعملي رومي و لانشون يا أمي و لو فيه شيدر أوك.

أجابتها شادن بإبتسامة، فابتسمت شادية لها بحب و لك تتحدث و أخذت تصنع الطعام لها بهدوء بينما صعدت شادن إلى غرفتها بهدوء شديد و أخذت ملابسها و اتجهت إلى الحمام و ارتدت تلك البدلة البنية التي اشتراها لها والدها و خرجت من الحمام فتعجب والدها من الأمر و اقترب منها قائلاً..

-الله في إيه يا شادن بتلبسي في الحمام ليه؟!

-أبدًا يا بابا ما فيش، قالتها بتوتر، فابتسم والدها و دخل إلى الحمام بهدوء شديد.

أغمضت عينيها و تذكرت ما قاله ذلك الشاب عندما كادت أن تخلع ملابسها أمامه بعدما نسيت وجوده معه في غرفتها.

عودة إلى الموقف...

كادت أن تخلع ملابسها أمامه، لكن صوته منعها من ذلك...

-يا أنسة ما ينفعش كده...

قالها بحرج، فصُدمت شادن و كادت تسقط على الأرض لولا أنها سندت بيدها على الكوميديون و نظرت له بقلق قائلة بعيون متسعة

-هو أنتَ لسه هنا؟!

-للأسف أيوه.

أجابها بحرج مخلوط بحزن، فنظرت له بآسي و لم تنطق ببنت شفه، و أخذت ملابسها و اتجهت إلى الحمام و بدلتها.

عودة إلى الحاضر...

كانت شادن تقف أمام غرفتها و وجهها قد أصبح ملونًا باللون الأحمر القاني، اقتربت من الباب بحرج و فتحت الباب بهدوء و دخلت متجاهلة وجوده أمسكت بالمشط و أخذت تمشط شعرها الأسود المموج و جمعته و أمسكت بحجابها السكري اللون و ارتدته بهدوء و أخذت حقيبتها و هبطت إلى أسفل و اتجهت إلى المطبخ حيث تجلس والدتها و أخذت منها الطعام و وضعته في حقيبتها بهدوء و قبلت يدها و عندما همت بالمغادرة فوجئت بوالدها من خلفها يقول بهدوء...

-استنى يا شادن علشان أوصلك...

ضحكت شادن و وقفت بجوار والدها قائلة بحب...

-هو حد يطول إن أسامة حجازى يوصله...

وضع أسامة يده على رأسها بمداعبة قائلاً...

-طيب يلا يا بكاشة علشان ما تتأخريش..

-يلا يا حاج..

اتجهت شادن إلى خارج المنزل و وقفت أمام الباب بهدوء منتظرة والدها، و فجاءة خرج والدها و هو يرتدي تلك البذلة الزيتونية، و يرتدي نظراته الطبية.

-يا جمالوا يا جمالوا، إيه الحلاوة دي؟!

سألته و هي تغمز له بمشاكسة، فاقترب منها و قرص وجنتيها قائلًا..

-يا بكاشة، يلا علشان ما تتأخرش.

اتجه إلى تلك السيارة و استقلاها فجلست هي بجواره و ذاك الطيف في الخلف و ما إن رأته حتى صُدمت، نظر لها والدها بتعجب قائلًا..

-في إيه خايفة كده ليه؟!

سألها بقلق، فابتسمت بهدوء و نظرت له بثبات قائلة..

-أبدًا يا بابا، حضرتك عارف إن المدرسة جديدة و مرحلة جديدة فخايفة شوية.

-لا يا قلبي أنتِ قدها..

-إن شاء الله...

-اتأخرت ليه امبارح؟! سألته بحيرة.

-و الله يا شادن كان جايلنا شاب عامل حادثة و الأوكسجين كان ٥٪ في المخ، و حالته كانت زفت و الحمدلله عملت إللي أقدر عليه.

أجابها بحزن، فنظرت له بحيرة..

-طيب اسمه إيه، أهله مين، هو من هنا و لا جاي من بره؟!سألته بقلق.

-اسمه باسل المغاربي من القاهرة، و هو مدرس و كان جاي يشتغل في المدرسة الثانوي، ده إللي عرفته، أجابها بهدوء فابتسمت له بتكلف.

مضت عدة دقائق على هذا الحوار و وصلا إلى المدرسة الثانوية هبطت من السيارة و أشارت لوالدها مودعة و خطت خطواتها بثابت إلى المدرسة و وقفت في ذاك الطابور بين تلك الصفوف و انتهى الطابور و صعدن جميعًا إلى فصولهن، دخلت شادن و جلست في أول المقاعد كعادتها منذ صفوفها الأولى، و ما هي إلّا لحظات حتى دخل المعلم إلى الفصل و أخذ يتلو أسماء الطلبة و يأخذ الغياب و ما إن وصل إلى الاسم الآخير حتى توقف و نظر إليه متعجبًا ثم نظر إلى الطلبة قائلًا...

-شادن أسامة حسان حجازى..

رفعت يدها فنظر لها بحيرة قائلًا...

-إيه الاسم ده؟! سألها بسخرية.

نهضت باحترام لمقامه و نظر في عينيه ببعض العدة قائلة...

-ماله الاسم يا مستر؟! سألته بحدة فنظر لها و تحدث بصوت رخيم وقور...

-في حد يسمى بنته شادن؟!

-هو حضرتك تعرف معناه؟! جوابته بسؤال، فنظر لها بحيرة و مد شفتيه إلى الأمام قائلًا...

-لأ..

-معنى صغيرة الغزالة، أجابته بإبتسامة واثقة، فنظر لها و حاول السخرية منها...

-علشان كده حطوكي في آخر القايمة...

ضحك جميع الطلبة بسخرية منها، فنظرت له بثقة قائلة..

-في حكمة قرأتها في رواية بتقول ما يبتدأ به يُنتهي به، و الأول هو الآخر دومًا...

أنهت كلماتها و نظرت له بتحدٍ كأنما تخبره بأنه لن يستطيع مجاراتها في الرد، فابتسم المعلم لهم بهدوء قائلًا....

-و دي حكمة بقى قريتيها في مجلة ميكي و لا خدتيها من على توكتوك؟! سألها ساخرًا...

-لأ و حضرتك صادق قرأتها للكاتب حسين المغاربي...

أحس المعلم بأنه لن يستطيع مجاراتها فقرر التخلص من الموقف بصنعة لطافة قائلًا لها...

-هو أنتِ مش بتهزري و لا إيه يا شادن؟!

-الهزار ليه وقته يا مستر...

أجابته بحدة، فابتسم و أشار لها بالجلوس، فجلست على المقعد، كان ذاك الطيف يراقب ما يحدث في صمت دون أن ينبث ببنت شفه، انتهت الحصة و عندما خرج المعلم من الفصل قامت تلك الفتاة و وقفت أمام شادن و نظرت لها بتحدج قائلة بسخرية...

-تطلعي بنت مين علشان تتنكي كده على المستر؟!

-بعد إذنك ارجعي مكانك و ما لكيش دعوة بيا، أجابتها بهدوء، فنظرت لها الفتاة بحقد و فجاءة قطع تلك النظرات دخول تلك المعلمة ذات الثلاثين عامًا، و ابتعدت تلك الفتاة عنها و عادت إلى مكانها و جلست و الغيظ يفتك بها..

وقفت المعلمة في الفصل و نظرت بين جميع الطلاب قائلة بهدوء و جدية...

-أنا مس مني على هعطيكم مادة الفلسفة بدل مستر باسل المغاربي لحد ما يقوم بالسلامة...

-ليه هو بيولد و لا إيه؟! قالتها إحدى الطالبات بسخرية، فغضبت المعلمة من الكلام...

-المهزقة عديمة التربية إللي اتكلمت دي توريني نفسها، قالتها المعلمة بغضب...

ما إن أنهت المعلمة كلماتها حتى صمتن عن الكلام و والله لو ألقيت دبوسًا لسمعت رنته في المكان، كأنما صاروا مثل المقاعد التي يجلسون عليها.

لم يجب أحدٌ من الفتيات فنظرت المعلمة بحدة و بدأت تأخذ الغياب و ما إن وصلت إلى اسم شادن أسامة حسان حجازى فابتسمت قائلة..

-أنتِ بنت أسامة حجازى صاحب شركة الأجهزة الطبية؟! سألتها بإبتسامة، فوقفت شادن احترامًا لها و أجابتها بهدوء...

-آيوه حضرتك، بس أعتقد إن والدي مالوش علاقة بشخصي مش كده؟! سألتها بإبتسامة

-ما شاء الله، ربنا يحفظك و يبارك فيكي، أجابتها بابتسامة و أشارت لها بالجلوس فجلست بهدوء و أخذت تنصت للمعلمة و كلماتها و تتفاعل معها هي وبعض الفتيات.

أخذ المعلمون يتوالون حتى انتهى الدوام و اليوم الدراسي، و لما همت بالخروج أوقفتها تلك الفتاة في محاولة منها لإهانتها، إلّا أنها تجاهلتها و غادرت دون أن تحتك بها، كأنما هي تقتضي بالحكمة القائلة "ليس من الحكمة في شيء أن تعادي سفيهًا أو أن تستعتبه أو حتى تحواره"

كان يراقبها في صمت شديد و قد تناست وجوده من جديد، خرجت من المدرسة و أخذت تسير في شوارع قريتها الغير ممهدة بهدوء و أناة، وفجاءة أخذ الجميع يلقون عليها التحية و هي ترد بأحسن منها و على وجهها ابتسامة هادئة حييه.

ألّا أيتها الربوع خبرينا عن قصص من مر عليكي و أقام فيكي، خبرينا و لا تخفى عنا الأمر فنحن بنوكِ و إن فرقنا الضهر، خبرينا يا ربوع الرحبة ما يدور بحواريكِ.


بقلم /سهيلة آل حجازى

ابنة الشريف



الكاتب الرمادي

إن لم ترى نفسك في عيون الآخرين فأعلم أنك لم ترى نفسك مطلقًا وأن عقلك يخدعك عن ما تعرفه عنك لا محالة.. فلم نخلق لنرى ما بداخلنا بل لننظر داخل الآخرين..

إرسال تعليق

أحدث أقدم