مازال أبي حيًا

رسالة إنتحار مقتبسة من رواية حرب باندورا (الجزء الثاني لرواية المسخ ذو الوجه البريء)

حين ذهبت لطبيبٍ نفسي، أخبرني أني مريضًا بالإنفصام، وحين ذهبتُ لشيخٍ روحي، أخبرني أن ما اصابني مسًا يتحكم بي، وحين جلستُ مع صديقي صمتَ قليلًا ثم أردف قائلًا: أن تكون من هذا الجنس أمرًا صعبًا جدًا يا صديقي.. كذبوا جميعهم وصدق صديقي...

كان طبيبًا أو يدّعي أنه كذلك.. جلسةً واحدة وقال أظن أنك مصابًا بكذا، أتشخص حالتي من محادثةٍ قصيرة يا دكتور وتقول أني مصابًا بالإنفصامِ، لِمَ لم تشخصها مثلًا أني مصابًا بالإكتئابُ الهوسي.. ذلك المشهور بإضطرابٍ عاطفيٍ ثنائي القطب؟

وأنتَ يا رجل الدين، أجعلت علمك تجارةً ولم تكتفي حتى قُمتَ بغشها، أم أنك تدّعي العلم فقط وحالتي بحالتك من قامت بكشفها؟

صديقي... لا لا دعني أعيد عليك القصة كلها...

كان يا مكان في قديم وحاضر ومستقبل الزمان، هناك طفلًا رضيعًا في الزقاق أحب امه وبغض ابيه... لا لا لن اكذب إن كنتُ سأروي لك سأكون صادق القول.. عذرًا سأكون صادقة القول.

أتعلم أخشى كنتُ ومازلتُ خاشيةً من إخبارك أني فتاة فترى كما يرون من حولي أني استحق كل ما يحدث لي.. وكأن الله خيرني وقال لي: يا قطعةً من طين، ماذا تريدين أن تكوني آدم أم حواء؟ لم أقرر اقسم لكم لم أقرر الرب فعل.. ماذا! ستقاضون الله أو ستعاتبونه أم ستعارضونه على خلقه؟ وحتى إن فعلتم وحاشى لله أن حثالةً مثلكم يستطيع هل سيغير هذا شيء؟ فكروا.. اخبروهم يا اولوا الألباب.

منذ سنين كثيرة في ليلةٍ مظلمة شعرت أمي بالغثيان والدوار...ألخ من تلك الأعراض، وبعد عدة شهور.. لا قبل تلك المدة كان بيتنا سعيدًا جدًا يريد أبي وأمي أن يصبحا أبًا وأمًا.. لنعود لحاضر ماضي الأحداث، شهران فثلاث ويومٍ بعد يوم حتى أكد لهم الطبيب أن أمي تحمل أنثى بداخلها.. وقد دعا أبي رب الخلق أجمع بأن يرزقه ولدًا كثيرًا ولكن شاء الله أن يرزقه بي (بنت) وهنا قلبت الآيات وموازين عقل أبي تمامًا..

لم تسلم أمي من لسانه بعد أن عرف، كان يريدها أن تجهضني ولكنها قاومت لسانه ثم يده كثيرًا، كان يلقي بالوم عليها رغم أنه أخذ فرصته الجيدة من مرحلته التعليمية ويعلم إن كان هناك أحدًا يتسبب في هذا، سيكون الرجل، يا هذا  ماءك ما يحدد أن كان مولدك ذكرًا أم أنثى، وليس كل رجلًا يستحق أن يُرزق بأُنثى

المستشفى... توتر قليلًا من الحضور، كثيرًا من السجائر لأبي يشعر بالضيق لأنه لم يكن يريدني أن أكون أنثى، لكن أمامهم ذلك الدخان يعبر عن ما بداخله من قلق على كلانا، لطالما كان أبي رجلًا مثاليًا.. أمام الجميع، وهذه عقبةً أخرى في طريقي كوني (أنثى) أن يكون هناك ظالمًا ما في مدينتك، ويكون مثاليًا أمام أعين الوالي على تلك المدينة هذا يجعل جحيمك مضاعفًا.. ستتعرض لظلمه دون أن تشكو لا أحد يصدق أن وردتنا الجميلة تلك يمكن أن تكون سامةً أبدًا..

كبرتُ قليلًا ومازال يكرهني.. تصحيح بدأ يظهر لي كرهه بشكلٍ ملموس، خصوصًا بعد أن رزقه الله بـ"ذكر" أذكر ذات ليلة أني كنتُ نائمةً شيئًا ما انا وأخي وكنتُ قد أدعيّتُ أنّي غارقةً في النوم.. دخل أبي الغرفة على أطراف أصابعه حتى لا يُقظ أحد.. أو بالأحرى حتى لا يزعج أخي الصغير ويُيقظه، اقترب من سريرنا ثم قام بتقبيله وخرج.. قد يبدو شيئًا بسيطًا، لكن لا أذكر أني جحيم ملتهب ادعوا الله أن يضعك فيه الآن حتى لا تقبلني مثله.. اشتقتُ لكي أشعر أن لي أبًا في الدنيا.

دخلنا المدرسة، لم يبتسم لنجاحي يومًا، وإن فشلت في شيء وكأن هذه وجبةً له على طبقٍ من ذهب ليعاقبني.. مرحلة الثانوية، كان دائمًا يتهمني أني أخون ثقته به وأواعد أحدهم ربما.. وكيف لشخص يعرفك أن يحب جنسك يا هذا.. لا أعلم.

والكثير من الأحداث المروعة التي حدثت لي لكني أخشى أخباركم فيأتي ليعود ضربي مجددًا أو يعاقبني، يدّعي أخي أنه مات وتدّعي أمي كذلك، الجميع يدّعون نفس الأمر مما يثير هذا جنوني، ما كان لشخصٍ مثله أن يموت بهذه السهولة، على الأقل ليس مع كل هذه الدعواتِ التي دعوت الله عليه بها.. ثم كيف مات وأنا اراه في كل مكانٍ يلحق بي، دائمًا ما يحاول قتلي، مرةً من فوق المبنى وأخرى من النافذة لا أعلم ما سبب كل هذا البغض ولِمَ يدفعني هكذا ما ذنبي أني خُلقتُ كأنثى..

أحدهم يفتح الباب الآن، أخشى أن... إنه هو ويمسك حبلًا بيده لا أعلم ماذا سيفعل به...

عقب موت والدها بسنةً واحدة وجدنا ابنته المحبوبة منتحره في غرفتها، تاركةً خلفها رسالة غامضة شيئًا ما حيثُ كتبت

( - ما رأيك أن تروي لي قصةً حزينة

= يُحكى أن الله رزق منزلًا جاهلًا وأبًا أحمقًا بكنزٍ يُسمى (أنثى) وقد كان يحب الذكور

- أخبرتك أن تخبرني بقصةً حزينة، وليست كئيبة يا صديقي)

وقد كان غموض تلك الرسالةِ يكمن في ما هو قصدها.. وحسب ما رأيناه نحن شهود العيان فقد كان ابيها يحبها، أو على الأقل لا يكرهها مطلقًا، ولِمَ لم تنتحر حين كان على قيد الحياة كما تزعم الأم أن ابيها كان قاسيًا عليها كثيرًا وهو سبب كل هذا، وأغلب الظن أن الأم هي من قامت بهذا التأثير النفسي عليها لعلةٍ ما.
#الكاتب_الرمادي



الكاتب الرمادي

إن لم ترى نفسك في عيون الآخرين فأعلم أنك لم ترى نفسك مطلقًا وأن عقلك يخدعك عن ما تعرفه عنك لا محالة.. فلم نخلق لنرى ما بداخلنا بل لننظر داخل الآخرين..

إرسال تعليق

أحدث أقدم