صورة أم نقش - رواية المسخ ذو الوجه البريء

 نص صورة أم نقش مقتبس من رواية المسخ ذو الوجه البريء

صورةٌ أم نقش.. صورةٌ أم نقش.. هههه صورةٌ أم نقش... كان الصوت يصدر من كل مكان وكأنهم أكثر من شخص يتحدث... صمت قليلًا ثم أكمل: أعتذر للسادة الحضور لكن جميعكم مضطرون لأن تنتظروا قليلًا ليتم كشف ما أنتم عنه جاهلون.

دعونا نرى... أتعلم، أريد الحديث قليلًا؛ فلي أمد طويل لم أتحدث؛ لذا دعونا نستمع قليلًا لذاك النص الصغير الذي كتبته وأنا صغير أمقتكم فيه ولم أكن أعلم أنه سيأتي يومًا وسأنضم لصفوفكم، لم أكن أعلم؛ لذا أضفتُ لمستي به.

صورةٌ أم نقش، صورةٌ أم نقش، ألقيت عملتي بغرض تخريب ذاك العش، عملة معدنية ما ستحدد مصيرك اللعين يا هذا، لا، لا، لا تترجاني أنا، إليك عملتي توسل إليها كيفما تشاء، ومن فضلك لا تسألني عن سبب وجودك هنا؛ فلا أذكر أنه حين بُدِلَت الأدوار سألتُ لماذا، لم تتركني أسأل حينها ولم أكن لأسأل قط، كل ما فعلته حينها هو أني ابتسمت ونظرت، نظرت لأشياءَ لم تكن لتخطر ببال مسوخ مثلكم، مثل: متى سيأمر الإله بمحوكم؟ ألن يسلم أحد بعدي من شركم؟ أسيهدأ الضجيج إن لبست رداء قذارتكم؟ كثير من الأسئلة التي لا أعلم معناها أو لِمَ أتت ببالي حتى، كل ما كان يخطر ببالي حينها ألَّا يرى أحمق منكم أي نظرة خوف في عيني، والعجيب أن كل ما كنت أفكر فيه كان يثير حيرتي، بأشياء جلها لم يكن يعنيني، صورةٌ أم نقش قتلت ذاك الرضيع وذنبه أنه يستطيع الرمش.

كان الأمر في ليلة مظلمة ممطرة في زقاق أحد الشوارع بجوار صندوق قمامة حين شاهدتكم تنهشون لحمها كالكلا... لا لا لا ليس للكلاب ذنب في هذا حتى أسبهم، عذرًا يا كلاب.. كنت نقيًا تمامًا يا نقية، أرواحًا غير متناسق أضواءها وكلمات غير متزنة، لن تفهموا ولم أفهم أنا، وكلانا قال أن حروفي غير مترابطة وغبية، حروف قليلة وأفكار كثيرة مدغمة، حكم إقلاب لقصتين في كلمة شقية.

حتى أنا تعلّم النرد، نرد القلوب، نرد الصور، وأخيرًا الحروف، ذاك المجهول اللامرئي عاد عازفًا، وآلة عزفهِ تُلحن الخوف، صورةٌ أم نقش، عاد لكم من كنتم تهددونه، وكان يقبل تهديداتكم مبهش.

سارت النعاج في خطوط مستقيمة والذئاب حُرّاس لها مُدعين، النعاج ناظرين لي مُرتعبين ولكن لا يُلبي العقل ما تراه العين، بات نهارهم أسودَ حالكًا والليل مجمع للثعالبِ، أما النعاج فصار كل منهم من الرب ومن الخلقِ مُبغَضين، فباتوا يسبون عملتي قائلين: " لم أرَ كل زهرةً زَرعتها ياقوتًا، تنبت صبارًا متهالكًا مسبوتًا، سُحقًا ما هذا الحظ اللعين"، تقبلوا ما أنتم فيه يا نعاج حتى تأتيكم ريح من داخلكم فلا تجعلكم قانعين، أو اقبلوا ما أنتم فيه يا حمقى ما دمتم من الخوف خاضعين، وها أنا المتسول أمامكم درغامًا يخشاه كل مُتَجبرٍ طعين.

وفي سيرها ضحكت الثعالب ساخرةً، أوتحمي النعاج ذئابًا! أين عقلكم؟ يا لكم من شرذمة بلهاء مُستعبدين! ولأن النعاج سئموا تعبدهم فأخذوا من الثعالب حكماء وعلى الذئاب صاروا منقلبين، انتهى عصركم يا ذئاب، لم تعودوا حاكمين، نظرت الذئاب بيأس، ونظرت أنا ساخرًا مكبلَ اليدين بعد فمي المكمم ويديّ المقيدتين، أحكموا تقييدي، وحاولوا قتلي إلا إنني خالدٌ معصومٌ من ملك الموت ولو أبىٰ الحاقدون، حاولوا التغاضي عني رُغمًا، فواجهت عنوةً: يا حمقى تغير الذئاب وأتت الثعالب وعصر الاستعباد ما زال قائمًا مُهينًا، وسيبقى ببقائكم إلى أجل مسمى، ويا ثعالب، لا يغرنكم غباءهم فسيأتى أذكى، ولا تعميكم سلطتكم فلن تبقى، وغدًا يأتي من يحررهم أو يطفح الكيل ويأتي من يحقنهم فتذهبون ويذهب ملككم ويظلون منهكين.

وعلى الضفة الأخرى ليوث تشير بإصبعها على غابةٍ فيها القرود راقصين، أتى الطوفان وقلب الغابةَ جزيرة صغيرة، الليوث جائعون، خشت القرود بطش الليوثِ، فباتوا على الغدر مجتمعون، قردان ضد قرد ولليث قُربان، فما عاد للجوع صبرٌ ولا في الجزيرة غزلان، وما للقرد بعد الليوث إلا مجابهتي؛ فما لحال من دوام، ولم نسمع في البحر عن دوام كنزٍ لقُرصان، ولا دوام عدالةً لقبطان، ما بينهم مثل ما بين السماء والأرض حتى يجمعهم عدوٌ ثالث فتجمعهم صداقةٌ بدوني ويستيقظ أحدهم على هلاكٍ ولم يكن هلاكه في الحسبان.

صُورةٌ أم نقش، سئمت التخفي لإسعادكم ولا مجال لي سوى مجابهة أفعالكم وليس أنا من خرّب العش… (وجه ضوء نحو المتحدث فجأة وكان واقفًا في منتصف القاعة يرتدي قناعه ممسكًا بسلاحه وخصلات شعر تخفي عينًا من فوق القناع كان ينظر أسفل قدميه حينها نظر الجميع له في ذهول وفضول... بينما زادت شكوك العروسين ودائرة العارفين بأن هذا ديمون أو كما يعرفونه باسم عز الدين.. أيقنوا أن هذا عز الدين لا محالة) ... ظل صامتًا لبرهة ثم أكمل: صورةٌ أم نقش، لا مكان للنرد في عالمكم، وأنتم من تحددون مصيركم، وما النرد إلا إخفاء جداركم الهش. (بدأت الأضواء في الظهور موجهة تجاه كثير من رجال مُسلحين موجهين أسلحتهم للسماء(

صورة أم نقش، ألحقتم العار بشرفكم، ودمرتم مستقبل جيل بعد مستقبلكم بصنعكم للظلم سلطان وبناء ذاك العرش. (بدأت الأضواء يتغير لونها من الأحمر للأبيض ومن الأبيض للأحمر كل عشر ثوانٍ)

سُلطةً أم نقش، تسببتم في خسارة معركة، حُكِمَ فيها بالفوز لكم، فعاد العدو مرتديًا زيًا مختلفًا ولكن قلبه يرتدي الثوب الذي يستعبدكم، وكل هذا لأنكم ترونني شبحًا لا مرئيًا ووحشًا. (بدأت الأضواء تظهر جميعها تدريجيًا بداية بالعروسين ثم الجميع(

صورةٌ أم نقش، قتلت رضيع رأيته قاتلكم فطاردتموني أميالًا حتى عاد أهل الرضيع بعد أن اطمأنوا لغيابي، فاستحققتم ما في النهار من غطش. (بدأ جميع الرجال يلقمون أسلحتهم بشكل منتظم شخص تلو الآخر(

صورةٌ أم نقش، لم أقتل أحدًا يا ألله بل قتلوا أنفسهم وقد كنت ترى بنفسك ما في قلوبهم من رعِش. (بدأوا بإطلاق النار في الهواء كتحية لهم، كان المشهد مريبًا

فلم يستطع أحدهم أن يتحدث حتى إسلام(

صورةٌ أم نقش، رأوا النهر يجف ماءه فتسارعوا فيما بينهم على إنهاءه، شربوا جميعًا دون عَطش. (انتظروا أن يحدث شيء هذه المرة لكن خاب ظنهم(

صورةٌ أم نقش، تَجبر أحدهم على الخوف وتجبر الخوف عليهم؛ فتجبروا على متجبرهم فنال منهم ونال القدر منه وكلهم المعاصي تلتهمهم؛ فاستحقوا ذاك البطش (ظهرت شاشة عرض كبيرة مجهزة على التشغيل(

صورةٌ أم نقش، ألقيت عُملتي ولم أخرب أي عُش، كل ما في الأمر أنني أردتُ الأمر دراميًا، فصَدَّقوا كذبتهم، فبات القلب يضخ قوةً تنكمش. ألقى عملته في السماء وهو يقول صورة أم نقش... ألقى عملته في السماء وأمسكها وهو يقول: نقش، ثم قام بتشغيل شاشة العرض...


الكاتب الرمادي

إن لم ترى نفسك في عيون الآخرين فأعلم أنك لم ترى نفسك مطلقًا وأن عقلك يخدعك عن ما تعرفه عنك لا محالة.. فلم نخلق لنرى ما بداخلنا بل لننظر داخل الآخرين..

5 تعليقات

أحدث أقدم