لم تنتهي اللعبة بعد

 _أهلًا بك أيها البشري، مرحبًا بك في الجحيم، أعلم أنك تريد أن تعلم من أنا ولكن دع هذا الأمر جانبًا، الآن سنلعب لعبة صغيرة إن فزتَ فستخرج بسلام ولكن عندما أفوز أنا ستعرف وقتها ما سيحدث لك على، اقترب قليلًا، لعبتنا صغيرة وممتعة مكونة من خمس مراحل، كل مرحلة بطابق مختلف، كل طابق مكون من خمس غرف ماعدا الطابق الأخير فهو النهاية، باب واحد فقط هو من يقودك للطابق التالي وباقي الأبواب تقودك لي، إن وصلتَ للطابق الخامس ستفوز وتخرج سالمًا وإن وصلتَ لي فأنا الفائزة، لا تخف هكذا ولا تسعد أيضًا فأنا سأجعلك تشتهي الموت ولن تصل إليه، الآن سأغادر وأنت استمتع باللعبة.

بدأت اللعبة وبدأ الرعب يسكن قلبي؛ فأنا مسجون في مكان مجهول مظلم ولكن يوجد ضوء لا أعلم مصدره، حولي خمس غرف، محفور على كل باب كلمة لا أعلم لِأي شيء تشير، لا أعلم أيهم يقود للطابق الخامس وأيهم يقود لها، مررت أمام الأبواب خمس مرات لعلي أسمع أي شيء ولكن باءت محاولاتي بالفشل، دخلت أول غرفة وكان محفور عليها كلمة "الحب"، عندما دخلت لم أجد دماء أو أي شيء مخيف كما الأفلام لكن وجدتُ حبييتي، أول محبوبة لي ولكن كيف وقد ماتت! 

_اقتربت مني وظلت تردد: لِمَا فعلت بي هذا؟ لِما تركتني؟ لِما قتلتني! 

_قتلتك! لا لم أفعل بل أنتِ من قتلتِ نفسك.

_ أنت من قتلتني، أفعالك كانت تقتلني كل يوم وكل لحظة، كنت تتحكم بي وكأني دمية تحرك خيوطها كيفما شئت، كنت أتحمل كل ذلك تحت مسمى "الحب" ولكنك تركتني، بعد كل ما فعلت لأجلك تركتني، بعدما جعلت من قلبي خيوطًا تركتَ تلك الخيوط لتلتف حول عنقي وتُذهب بحياتي، يجب أن أقتلك مثلما قتلتني.

كانت تقول تلك الجملة الأخيرة بكرهٍ لم أرى مثله قط، مع نطقها لآخر حرف ظهر عدد كبير من المشانق بلون الدماء وكأنها خيوط قلوبها كما قالت، بدأت بالركض ولكن كلما أركض تزيد مساحة الغرفة فلا أجد نهاية بطريقي سوى المشانق، ظللت أكثر من ساعة أركض حتى سمعت ضحكتها وهي تقول: ألم تقل لك أنك ستشتهي الموت ولن تصل إليه، فلِم أنت خائف هكذا! 

وفجأة ظهر سلم لتقودني حبيبتي الأولى أو لنقُل شبحها وهي تودعني ضاحكة: أتمنى لك الجحيم.

صعدتُ وأنا أعلم أنني لن أموت ولكنني سألقى العذاب الذي هو أشد من الموت بآلاف المرات.

وصلتُ للطابق الثاني لأجد نفس الأبواب ولكن الباب الأول مغلق بحبال المشانق الدامية، جلست أمامهم بحيرة كبيرة تفوق المرة السابقة؛ في بداية الأمر كنتُ أظن أن كل الأبواب تقود الطابق التالي ماعدا باب واحد يقود لها ولكن اتضح أن كل الأبواب تقود للعذاب المحتوم، قررت أن أدخل الباب الثاني؛ فلا مجال للتفكير فأنا سأدخلهم كلهم لا محالة.

كان محفور على ذلك الباب "الصداقة"، دخلتُ وأنا أفكر ماذا فعلتُ تلك المرة ولكن لم يطل تفكيري؛ فقد وجدتُ صديق عمري يقف أمامي تعلو وجهه ابتسامة مخيفة دبت الرعب في قلبي، وأخيرًا تكلم:

_أهلًا بك صديقي الغالي، كم تمنيتُ كثيرًا أن تأتي وأخيرًا أرى أمنيتي أمامي، بالتأكيد تتذكر ما فعلته، أليس كذلك؟

_نعم أتذكر (كنت أتحدث بصوت منخفض مرتعب وكأن الحروف تخشى أن تخرج من فمي)

_رائع جدًا، لِمَا ترتجف هكذا، أنا لن أفعل بك شيئًا، كنت تراها كنزًا ثمينًا، أليس كذلك؟

_من؟

_الجميلة صاحبة الملامح الفرعونية.

_تويا!

_ نعم تويا، ألم تقل أنك تتذكر ما فعلته بي؟

_نعم ولكنني قصدتُ تلك الجريمة التي ألصقتها بك.

_هذا أيضًا ما أقصده، تلك الجميلة الفرعونية كانت أختي.

_أختك!

_نعم، صغيرتي التي سبلتَها شرفها، بالتأكيد تتذكر؟

_أنا لم أمسها.

_نعم أنا أعلم، حتى لم تضع يدك عليها، اختطفتها ثم أرسلتها لأولئك السفهاء الذين سلبوها شرفها؛ فماتت، ما حدث بعد ذلك تعلمه جيدًا، قصه لي.

_لم أعلم ماذا أفعل؛ فاتصلت بك وأرسلت لك عنوان منزلي الذي قد كتبته باسمك بتاريخ مسبق ووضعتها به.

_وسافرتَ أنت ولم تسأل عما حدث عندما عدت، سأكمله لك أنا، جاءت الشرطة وعندما اكتشفوا أنها اختي اعتقلوني؛ ظنًا منهم أنني قتلتها عندما علمت بجريمتها، ولكنني كنت أموت ألمًا لها وكنت أعدها أنني سأنتقم لها.

اقترب مني وهو مازال يبتسم، وفجأة وبدون أي مقدمات التصقت بالأرض ولم أستطع الحراك وظهرت ابنتي ذو التسعة أعوام، ويظهر أيضًا خمس رجال يقتربوا منها وهي ترتجف خوفًا وتصرخ باسمي، ويقتربوا منها ويفعلوا بها مثلما حدث مع تويا، كل ذلك أمامي وأنا أراها تصرخ؛ ومن ثم ماتت صغيرتي لتلحق بتويا، وأنا قد خارت قواي وسقطتُ أرضًا أنادي صغيرتي: صغيرتي، أفيقي صغيرتي، أنا آسف، أرجوكِ أفيقي، ولكن لم تقوم فقد صعدت روحها للخالق.

وفجأة ظهر السلم المؤدي للطابق الثالث واختفى صديقي وظلت صغيرتي مكانها، نظرتُ إليها لآخر مرة وصعدت للطابق الثالث.

 لأجد الباب الأول كما هو مغلق بالحبال، والباب الثاني مغطى بملابس تويا وابنتي الملطخة بدماءهما، نظرت إليه والدموع تملؤ عيني ثم اتجهت للباب الثالث: "الأخوة"، دخلت وأنا أعلم من ينتظرني بالداخل، نعم إنه أخي الصغير الذي دمرته كليًا

_ظهر أخي قائلًا: أخيرًا رأيتك ثانيةً، لقد انتظرتك كثيرًا.

_أنا أعلم أنني أخطأت بحقك ولكني أخاك، ألن تغفر لي؟

_أخي! أنت لا تعرف شيئًا عن الأخوة.

_ لقد أخطأت، أعلم ولكنك لن تفعل مثلي.

_بالتأكيد أنا لست مثلك ولن أكون مثلك يومًا، ولكنك حتى لم تشفق عليّ وأنت تراني أعاني، تتذكر ماذا فعلت؟

_نعم أتذكر (قلتها بصوت مرتفع)

_لِمَ أنت غاضب هكذا، اهدأ، أنا لن أقتلك.

_ما تفعلونه هو أبشع من القتل.

_نحن نذكرك بما فعلته بنا ليس أكثر.

_أنا أتذكر كل شيء، وأنا آسف، ألم يكفيكم ما حدث!

_نحن لن يعوضنا أي شيء، طالما تتذكر كل شيء فبالتأكيد تتذكر زوجتي.

_نعم أتذكر، ولكنني أحببتها.

_أمثالك لا يدركون معنى الحب، أي حب الذي تتحدث عنه الذي يجعلك تصيب أخاك بمرض لا علاج له!

_لم أكن أدري ما أفعل.

_تخلق مرض يميتني خلال خمس أيام، عانيت كثيرًا ولم تشفق عليّ حتى، كنتُ ألتوي ألمًا وكنتَ صامتًا، وليتك اكتفيت، حاولت التقرب من زوجتي وعندما رفضت هددتها بقتل صغارها؛ فوافقت وهي تكاد تبكي دمًا، حاوَلت كثيرًا ولكن لم تستطع التحمل، فماتت وإذا أردنا الدقة انتحرت، فلم ترحم أطفالي الذين كانوا يذكرونك بنا فقتلتهم أيضًا، بعد كل ذلك تطلب مني المغفرة!

_أنا أعلم أنني دمرتكم ولكنني لم أكن أدرك خطأي.

_خطأ! لا أخي بل جرائم، وحتى الآن مستمر في جرائمك.

_أعدك أنني سأتوقف.

_ليس لديك المزيد من الوقت.

قالها وهو يأخذ سكين يذبح بها زوجتي وطفلي ذو الخمس سنوات، ولم أستطع التحرك لأنقذهم، رأيتهم وهم يلتويان على الأرض يلفظان أنفاسهما الأخيرة كما كان يلتوي أخي قبل موته.

صعدت للطابق الرابع، وجدتُ نفس الأبواب، وكان الباب الثالث يتوسطه سكين كبيرة مملوءة بدماء زوجتي وابني، تركت الباب الرابع ودخلت الخامس، لم أجدها بالداخل بل وجدت السلم، صعدت كثيرًا لدرجة أن قدماي أسقطاني ولكن حاولت الاستمرار حتى وجدتُ أمامي لوحة مكتوب عليها النهاية، لم أعلم هل أنا وصلت للطابق الخامس وتلك نهاية اللعبة أم هُزمت وتلك نهايتي، ولكن اتضح كل شيء عندما رأيتها تقف أمامي

_ضحكَت قائلة: ما رأيك باللعبة، رائعة أليس كذلك؟

_دعكِ من اللعبة، من أنتِ؟

_أنا كل من دمرتهم، كل من سقيته العذاب بقلب أشد قسوة من الحجارة.

_كفى ألغاز، من أنت؟

وفجأة ضحكت ضحكة عالية مخيفة هزت أرجاء المكان وخرج منها أشخاص كُثُر، أخي وزوجته وأطفاله، صديقي وأخته، محبوبتي الأولى وغيرهم الكثير وكأنهم قد كونوا جيشًا، كل من دمرتهم بالفعل.

_تحدثوا سويًا قائلين في ضحك عالي: هل علمتُ من أنا الآن؟

وفجأة استيقظتُ من ذلك الكابوس القذر؛ لأنهض في فزع أطمئن على زوجتي وأطفالي وأجدهم بخير، ذهبتُ إلى مكتبي لأجده منقلبًا رأسًا على عقب، مكتوب على حوائطه بالدماء: لم تنتهي اللعبة بعد.

#اسراء_السيد 

#لم_تنتهي_اللعبة_بعد



الكاتب الرمادي

إن لم ترى نفسك في عيون الآخرين فأعلم أنك لم ترى نفسك مطلقًا وأن عقلك يخدعك عن ما تعرفه عنك لا محالة.. فلم نخلق لنرى ما بداخلنا بل لننظر داخل الآخرين..

إرسال تعليق

أحدث أقدم