وها قد إستفقت مجددًا
كرماد؟
بل كغابة أشعلوا نيرانها لتسعة عشر قرنًا روحيًا وبتعدادهم أعوام، فأصبحت كجهنم قاحل باطنهم وشديد السواد، لم تحرقني نيرانهم، بل كانت تبنيني، تجددني، وتقويني، تثقلني، وقد ظنوا انها تدمرني.
كنت في الغابة وحدي ليث، يحاصرني جيش من الضباع، لساني بندقية صيد، زناد، دوي انفجار، صدمة، وبووم، ضربة واحدة فتت كل ضبع عنيد، ظننت أنني أنتهيت، حتى زاد الصداع، وقد خاب ظني، لم ولن ينتهي ذاك الصراع، لن أتخلص منه ابدًا، مؤخرًا بدأت في التأقلم على أني منه و هو مني.
شد اواصله فأدركت أن المعركة قد بدأت، وما فات ما هو الا معدن أهلكه الصديد، ونيرانهم التي أشعلوها افادتني؛ فقد جددت معدني، واخرجتني من قطيعهم، فأصبحت ثلجنار، شطر حمم بركان و شطر جبل من الجليد.
لن أكذب، حينما رأيتهم يلملمون الحطب، غضبت وظننتهم سيأذونني، ظننت أني هالك، ظننتهم سيفتكوني بي ولم يكن سيأذيني سوى ما ملئني من الغضب، نظرت في المراة حينها لم اراني، لم ارى الواقف امامك الان، و لا ذاك ولا ذلك، كنت شخص مختلف تمامًا، لم أعتقد يومًا ان هذا سيكون انا، سحقًا فعلوا بي ما لم تفعله ندبات الحروق.
انني كنت ارى عائلتي يعاملونني كانني لست ابنهم، لست مثلهم ولا منهم، كانني ابن سوق، فتدريجيًا بدأت بتركهم بدأت بالإبتعاد عنهم، هجرتهم، هجرت اهلي يا لوسيفر، حتى منحني الله عين ثالثه، لأرى اني ملاكهم المدلل، وما كنت اراه سوله ما بداخلي من سوء، اللعنة، لا عليك كيف حالكم انتم.
كما ترى مذ تركتنا والمملكة تفتت، اما بالنسبة لأنجل، فهو يظهر ليصرخ علي ويختفي لا أحد يدري اين يذهب، اين كنت يا رجل في غيابك حدث الكثير، سحقًا كنا نتخبط بعشوائية مبهمة، نقوم بأفعال غير متزنه لا نفكر صواب هي ام اجرها عقاب، كنا نفتقدك حقًا، كان قرار غير حكيم بالمرة ان تترك المملكة، ان تترك عالمك، وتتركنا بدون توجيه، ان نفعل ما نريد وقتما نشاء بدون تفكير، اخذت قرارك مغمض العينين.
معك حق اعتذر، بعد أن ألقيت خطابي الملكي الأخير، ذهبت و لم أكن أعلم إلى أين، لم أجد مرسى لمركبي، فتركتها للرياح ذهبت لعالم لا يوجد فيه فاعل للمكنرات جريء، احببتهم عاشرتهم و تشبهت بهم، فأصبحت على هيئتي التي تراها يا لوسيفر تحولت من الرمادي ، لمسخ ذو وجه بريء.
كلنا كنا نعبد الله، نقيم الصلاة و نأتي الزكاة كما لم نأتيها من قبل، كانت وجوهنا معمرة بالإيمان، فتنوني بمعسول أفعالهم، دار عجائز و ألف مسجد ومليون دار أيتام.
كنت أتعجب ايمكن ان يكونوا بشر، وهكذا تكون اعمالهم، سحقًا لابد ان أكون مثلهم، خلعت ثوب الملوكية وارتديت ثويابهم المزرية، كنت مشوشًا يا حسرتي، لم ارى ان اعمالهم الخيرية في الحقيقة اعمال تجارية.
نأتي الزكاة في المزياع و امام الشاشات، و ان خفيت فمصدرها ربا، وقليل من يمتنع عن التظاهر ويريد الجنة عن ما في الدنيا من ملذات، صلواتنا ثقه في تجارتنا، انه يقيم الصلاة ويأتي الزكاة اذن هو يتقي الله، لا تجادلوه هلموا وتاجروه فتجارته موثوقة وحلال، أمثاله في هذا الزمان كالإكليل.
يا هذا ماذا تفعل، هذا خطأ كبير اصمت يا هذا لا أحد ينظر ثم ان الوزن ثابت ولو اختلفت المكاييل، أتغش الميزان وقلبك عامر بالإيمان
لا داعي للتجمل يا غلام، انت مثلنا انظر لحالك كلنا هنا نفس الشيطان.
أتقصد أنني بشري، كفاكم هراء يا حثالة الزمان؛ أيستوي ابن الملوك بالغجري؟! ليس لأني من جنسكم أني منكم أو مثلكم، و أين موازين المعادلة؟؟ أنتم جملة بشر، أما أنا، أنا إنسان.
في طريقي القيت نكته لأحدهم اننا اذكى جنس في الكون، سمعها الشيطان فضحك، وكيف لذكي ان يرى حبل النجاة امامه ويكابر على لمسه حتى ينسحق، اللعنة
- اتبكي؟! هذا ما كان ينقص المهرج أن يبكي إثر نكته ألقاها للجمهور
= كما كان ينقص السجان، أن ينحب على سجين في زنزانة كالقبور، في محاكم أهل الأرض لا يهم أمذنب انت أم لا، ما يهم أن صقرنا جائع و أنت الوحيد عصفور، في محاكم الرب، ذنب سلب قشة من كومتها دون حق لا يمكنه العبور.
في طريقي شاهدت شابًا ساخط على قومه، فجربت نصحه خذ مركبك وسافر حسب اتجاه الريح، فوجدت نفسي في اجابته و ربما هذا ما أعادني لأكون صريح "لم تعد تجري الرياح والسفينة تحطمت وكيف تجري وقد مات بداخلنا الكفاح والعروبة أوصالها بعثرت.
هذا عربي يبغض وطنه، وتلك في شرفها فرطت وما نحن الا معترضون على ذنب، بال منا وعقولنا به تخدرت. امام المليء، انا مصري ابن حضارات الاف السنوات، وتجري في عروقنا اننا العرب، ولنا تاريخ حافل بالإنتصارات وماذا عن حاضركم، بل كيف يبدوا مستقبلكم، أصمت يا هذا الا ترانا نفخر بقوتنا، لما تصر على ذكر الهزائم والإنكسارات، والنكبات والانتكاسات وكل تلك الثرثرات.
نحن هالكون بلا جدال، فلما السفر ولو بعقولنا، مادمنا فقدنا قيمتنا في حق انفسنا، ومايزيدك سخرية اننا نبغى الإحترام من بعضنا وممن ليسوا منا، امضي في طريقك يا رجل، لا شأن لك بي
لقد كان محقًا فعلًا، لقد قلت قيمتي خارج عالمي، صنعت مركبي و عدت مجددًا، لست ملكًا الان لكن قريبًا سأستعيد أضعاف هذا المكان أتدري متى لقبت نفسي بالملك يا لوسيفر
متى
بالطبع ليس حين حكمت هذه المملكة و لاحتى حين صنعتها بل كنت ملكًا حين ملكت نفسي كنت حر افعالي يا لوسيفر، ولم يكن الأمر سهلًا، أن تكون حر هو حملًا ثقيل حقًا، أن تُأخذ على أقل فعل لك أو حتى أن تتصرف كطبيعتك ليس بالأمر الهين، خصوصًا إن كنت تحيا بداخل صندوق مع القطيع، وأفكارك لا تتفق معهم.
في الواقع لا يجب أن تختلف عنهم بسلام ولا ولن تستطيع، لن يكفوا عن إيذائك أبدًا كما لم يكفوا عن إيذائي، ظلوا يعارضونني و يلاحقونني حتى كدت أصاب بالجنون، كدت أحل دمي لنفسي يا لوسيفر، بفضل حثالة الزمان دمي كاد أن يهون، اللعنة.
ذهبت و حين ذهبت كنت أبحث عن شيء يدفع فيه البشر من الملايين مليارات، ووجدته الشيء الوحيد الذي يبحث عنه البشر أتدري ما هو، الإجابات، الجميع لديه ما يبحث عنه، ويستعد أن يدفع عمره مقابل إجابة لأحد اسألته ولو كان سؤاله سخيفًا،هه الفضول البشري.
كان سؤالي الوحيد هو لما حينما أصبحت ملكًا أصبحت منبوذًا عكس باقي الملوك رغم عدلي اهو عيب الزمان أم أنه ذنبي، و الحقيقة كان ذنب البشر كل ما في الأمر هو أني ملكًا من القطيع و حين خرج عاملهم وكأنه منهم لأنه كذلك.
وهم لا يريدون ذلك يجب للملك الذي يحكمهم أن يأكل بالشكوة و السكين، ولا ينسى أن يستعبدهم وأن يتجرد من حقيقته الأولى أنه مثلنا كلنا من طين، طين حفنة تراب رشة مياه، رغم أنهم للوهلة الأولى شيء هين إلا أن كلاهما أساس الحياه، شطر سر البقاء، و شطر المكان الذي سنبقى فيه وكوني مخلق منهم مثلكم لا يجعلني مميزًا من الوهلة الأولى و هو ما جعلني ملكًا هو أني نظرة نظرة ثانية القليل هنا من يدرك أصله جيدًا ليس بكونه طين بل ما هو مكونات و أسسيات ذلك الطين في القليل يدرك أنه أحقر وأكثر مكون عظيم.
#عزالدين_مجدي
#الكاتب_الرمادي
#الرحلة_رقم_19