أذكر أنني قبل مدة طويلة، كان لدينا منزل قديم حقًا، لا أعلم الأحداث التي مر بها هذا المنزل قبل ولادتي، لكني أذكر تمامًا تلك الأحداث المروعة والغريبة التي عهدتها.
لقد كان منزلنا، منزل عائلة جميلًا فعلًا، جميلًا جمال قوم يُحاسبوا في الآخرة، ولم يفرقوا بين عربي وأعجمي، وبقدر جماله كان متينًا رغم أن قدِمه شبه أزلي، وما كان يتعجب الناس منه، كانت تلك الأحداث التي كان يمر بها، ويظل صامدًا، رغم أن نظيره من القصور يتهدم من تمهيد تلك الأحداث، أغتررنا به حتى أدعينا أنه أبدي.
كانت أعمدته مترابطة، لدرجة أنه ذات ليلة مر إعصار من فوقه بعد أن ضربه زلزال تزامنًا مع أنفجار بركان بجواره، سحق أساس الأعمدة، سنده الرب بإنبات بعض الزهور بجوارها، زادت قوة الأحداث، مسببات خارجية و تفاعلات داخلية، تارة من القدر وتارة من الناس، و لم يسقط، بل ظل يعاند كل عدو له، أختبار قدر كان أو كل ممتلك للإحساس، كان هادئً هدوء المقابر.
تزداد الشقوق وتُخلق معها أدوات البناء، تسقط أعمدة المنزل لتسندها الزهور الصغيرة، فنمتلىء بالسرور و نكثر من الثناء، فتشتد متانت القصر مجددًا، لنعيد ثقتنا في بعضنا ونجعل مسببات الأحداث هباء، ظلت الأحداث المروعة تتكرر ولم يميل منزلنا.
وذات ليلة كنت مار ما بين ركام بعض المنازل المجاورة، لألمح فراشة ترفرف على بعد خمسين الف ميلًا، أوقفوا الفراشة اللعينة، قلت.
-ماذا دهاك يا فتى
= ستسحقنا، انا متأكد أوقفوا الفراشة اللعينة، إسحقوها، أني أخشى عليكم مما رأيت في رؤية مستقبلية أتتني منذ قرون مضت.
مررنا من عواصف وزلازيل و براكين و الف إعصار، وظروف حرب يعتليها الحصار وتخشى جناح فراشة
-نعم أخشى، أُبيد جيش النمرود بالباعوض، و تلك الفراشة ستكون سبب أضعاف ما حولنا من دمار، لست بحاجة لتذكيركم بقصة البعير الذي أنقسم ظهره بسبب قشة، وهزيمة فرعون بسحره، اللعنة كانت قوته أكثر ما يخشى، لا تستهن بشق حجمه نملة، أصابت أحد أحجار الأهرام، لاتدري لعل ذاك الشق ثغرة هدمه، وما حجمها الصغير الا ما أصاب عينيك من أوهام.
لا تستهينوا، لا تجرؤوا، فسيأتي يوم وتضيء شمسكم بالظلام، سيقلب حالكم، وتقتل امالكم، وعلى كل جميل فيكم حكم إعدام، لا تستهينوا، صدقوني.
إني أرى ما لا ترونه، وما لا تروه هو سواد أيام قاحلة، بدأت بنقطة، في جدار أبيض لونه وكانت سوادء مطلية بالدماء، دماء نتيجة نحر لكل جميل في حياتكم، والسكين جناح فراشة هزيل، أتى يفتنكم بجمال لحظته، وكانت تحملها بسمة طفل إبتسمها، هللت وجه أهله، ولم يكن يدري ولم يكن يدروا، ولا أحد صدق أن الطفل من وقتل أهلهِ في فصل الوباء.
....
لم يستمعوا لي لم يقتلوها، مر يومان وضرب أحدهم بيتنا بحجر، تشوهت جدراننا و ارتعبت من هذا الأثر، اقتلوا الفراشة اللعينة ستتكاثر وتسحقنا
-إنه ثقب صغير لن يضر بشيء، لا تزعجنا
مر يوم تكاثرت فيه الفراشة، إتسع الثقب ليكون بحجم عود ثقاب، اقتلوا الفراشة اللعينة الأمور تذداد سوءً.
- ستجد دلوًا أسفل المرحاض، لا تتركه مملوءً
= اتهزء بي.... لا لا كانت تلك لوحتي التي أحبها أخبرتكم أن تقتلوا الفراشة اللعينة
- كان الطفل يلعب وسقطت تحت يده فمزقها، ما ذنب الفراشة الجميلة
= أقتلوا الفراشة اللعينة، أنها تتكاثر مجددًا، أقتلوها قبل أن تتسبب في هلاككم.
-يالا مخيلتك المسكينة
=معكم حق، لا شأن لي، إلى اللقاء وليكن الله لكم معينًا.
مرت مدة مجهولة، أعذروني لكني مللت عد الأيام جميعها متشابهًا، كنت شاردًا كعادتي قبل أن يصعقوني بصراخهم.
- الفراشة...الفراشة.... الفراشة تحطم كل شيء لا ندري كيف لكن كل شيء تهدم ساعدنا في قتلها
= أي فراشة
-تلك التي كنت تحذرنا منها، تبيد كل شيء، كل شيء، حتى أنها بدأت تنطق علنًا، وتبيح ساخرةً ما لدينا من أسرار
= أعلم لكن أي فراشة
- لا وقت لهراءك بيتنا ينهار
= ومن قال اني أمزح، أنظروا أي فراشة تريد قتلها الأمر أشبه بجيش من الجراد، أنظر أتقصد تلك الفراشة التي تسللت بينك وبين زوجتك، ووضعت بيضها، وتكاثرت، حتى دمرت الثقة بينكم، ام التي وضعت بيضها عند أصدقاءك، لا لا لعلك تقصد تلك التي دمرت أفضل عميل لك في عملك، بنتك نعم بنتك أتقصدها، قتلتها بطعنك في شرفها، لمجرد أنك لمحت نفس الفراشة، تذكرونني بقوم بني اسرائيل، ان البقر تشابه علينا.
وأنتم تشابهت الفراشات عليكم فلم تعد تدري حتى، هل الفراشة من فعلتها، و ان كانت فأي واحدة، هُلكتم.
أخبرتكم، كان بنو إسرائيل يعلموا ان موسى على حق، لكنهم أصروا على المقاومة يعلمون أن أي بقرة ستحقق غايتهم، لكنهم تمردوا بقوة، تمردوا و قاموا و في النهاية زبحوا البقرة، وفي النهاية دفعوا ثمن سخريتهم.
إستاهانوا، حتى أُهانوا، أخبرتكم.
إن إستطاعت نملة ثقب جزء ضئيل في سور الصين العظيم مثلًا، ولم يتم ترميمه والحذر منها، فلتترقبوا، نهاية نفس السور بعد مدة على يد نفس ألنملة، السور يسقط ألنملة تأكله، أي نملة.... أن النمل تشابه علينا، و كنتم لأنفسكم ظالمين.
#أقتلوا_الفراشة_اللعينة
#الكاتب_الرمادي