في غرفةٍ ما جالسًا على الأريكةِ الحمراء عند طبيبه النفسي الخاص يتحدث معه كخير صديقًا له، كان جالسًا يُدخن سيجارته كالمعتاد، بينما بدأ الطبيب حديثه قائلًا بتعجب: تبدو مرتعبًا
أجابه ديمون بضيق: من فضلك لا تخبرني بهكذا أمور، فكرة أن يخبر جسدي ما لا أبوح به للناس مرعبة..
أجابه الطبيب بإبتسامةٍ تحمل بعضًا من الأسى: جسدك لم يخبرني، شعورك بالراحة معي هو من أخبرني، ما الأمر؟
ليكمل ديمون حديثه بنفس الضيق: هناك خطأً ما يحدث..
- ماذا حدث؟
= كثيرًا ما فكرتُ لِمَ أحيانًا يمكنني قراءة أفكار الآخرين، وأحيانًا أخرى لا.. لكن هذا أخذني لمنحنى آخر من دالة نسيج الكون، كان هناك مُعطًا ينقصني، وحينَ وجدته أكتشفتُ أني لم اقرأ أفكارهم يومًا، بل استنتجتها، فعدتُ تفكيري مجددًا، هل يمكنني قراءة أفكار الآخرين بطريقةً ما؟
وكان نفس المعطى يُجيبني لا يمكنك أن ترى ما هو غيرُ موجود معك في تلك اللحظة.. ستسمع الموسيقى حين يتوفر أمامك مشغل موسيقى، ذاكرة تخزين، موصل طاقة، الآن يمكنك سماع الموسيقى، نفس الأمر مع الأفكار تحتاج نفس تلك الأدوات ويستحيل توفرها جميعًا، تحتاج إلى ذاكرة تخزين للأفكار، مشغل يعالجها ويتعامل معها، وطاقة تجعل الشخص على قيد معالجة الفكرة في نفس تلك اللحظة..
حسنًا الأمر سهل، تلك الأدوات معي، هيَّا نصنع خطواتنا ونقرأ.. ثم يُفاجئني لا يمكنك
لِمَ! معي شخص يفكر ذا ذاكرة جيدة وهو مستيقظ الآن حيًا يرزق، وفوق كل هذا هو يجلس أمامي صوب عيناي.. يجلسُ أمامي، وهنا أتاني السؤال هل هو حقًا يجلس أمامي الآن، أم أن هذا جسده كتلة لحم تصحبني في تلك اللحظة؟ وهو في الحقيقة ليس معي
لذا هل يُمكنك أن تخبرني يا دكتور أين يكون المرء حين يُفكر؟
- في الحقيقة ستفقد ضالتك إن طرحتَ سؤالك على هذا النحو
= ماذا تقصد
- حين تقول أين يكون الإنسان؟ فأنت تعني أنه ربما يكون هنا وربما هناك، لكن في الحقيقة هو لا يكون، هو فقط يشبه الروح، جميعنا يعلم أنها موجودة، لا أحد من جميعنا يعلم كيف تكون، أين تكون، كيف تخرج، كيف تدخل، ما هي حتى..
حين يفكر الإنسان، نحن نستقرأ ما يفكر فيه عن طريق عينيه وجهه لسانه، لكن إن أتقن تلك اللغات جيدًا، لن يكون، هو فقط سيكون يُفكر.. سيكون موجود غير مرئي، كالروحِ بالضبط..
ما الأمر يا صديقي؟ هل تخشى شيئًا بشأن الحرب القادمة؟
= لا، بل الأمر يتعلق بزوجتي، عيناها فارغةً تمامًا؟
- هذا ما أردته أنت، لذا هنيئًا لك بنجاح جديد في حقبة صنع الأمراض النفسية..
= كان هذا هو أسوأ نجاحاتي، لم أكن أريد هذا، لم يكن في الحسبان أن يحدث شيء من كل هذا، أنا فقط ظننتُ أني حين أستطيع تهيئتها على إخفاء كل ما تفكر فيه، أن تُخرس جسدها هي حين تُطلق على العالم من جديد، لا تكون ضعيفة بتاتًا، لم أكن أريدها أن تخفي كل شيءٍ عني.. بجانب أفعالها التي تنطق بما لا أطيق، الأمر مُرعب يا صديقي.. صدقني.
- كنتُ هنا، حين مرت حقبة أعوام الإنتحار على تلك المدينة قبل أن يتم شراءها.. تعجبت من فعل رجل يشتري مدينة تسمى، مدينة الإنتحار السنوية.. مرّ عليَّ الكثيرون ممن إنتحروا، كان العيبُ في أفكارهم معتقداتهم، دائمًا ما كانوا يسلطون أنظارهم على نقطة واحدة، ولا يريدون رفع أعينهم عنها، لذا حين حاولت اخبارهم بذلك، لم يعودوا لي مجددًا كمرضى، بل عادوا كأموات، أمتنعوا عن الحضور وظلوا ينظروا في منظار عقدهم النفسية وعقباتهم المزرية حتى أنتحروا..
لذا قبل أن ينفجر عقلك يا صديقي، هل رفعت نظرك بما يكفي عن ما ترمي اليه بخصوص زوجتك؟ فعلى ما يبدو من وجهك وأنا أعلمك جيدًا، تكون هكذا حين يفيض الأمر بمشاعرك.. تفقد السيطرة الكاملة...
#حرب_باندورا