هل تعلم ما هو الشعور المميز في هذه الدنيا يا صديقي؟
- ما هو
= هو شعور لا نجربه غير مرة واحدة في الحياة وهذا هو سر جماله.. هو أن تغمض عيناك
ولا تستطيع فتحهما مرةً أخرى.. او بالأدق لن يكون المشغل لجسدك موجود ليساعدك على
فتحهما، أن تصعد تلك الطاقة الغير معروف عنها شيئًا إلى السماء لتترك الجسد وحيدًا
لا يشعر بشيء مطلقًا.. هذا هو أفضل شعور ربما قد تجربه في حياتك.. وهو شعور أن لا
يمكنك أن تشعر مجددًا..
- تبدوا فكرةً سديدة لكن لِمَ تريدُ هذا؟
= لأنه سيحدث في النهاية على كل حال، فلِمَ الإنتظار؟ لا شيء هنا يدفعني على
المزيد.. تلك المشاهد التي تتكرر على مرئاي بشكل روتيني معهود وكأنه فلم مرعب لا ينتهي،
أو أنه لا يريد ذلك.. رعبه الوحيد هو في السادة الذين اعتادوا المشهد حتى لم يعد
يحرك مثقال خلية عصبيةٍ فيهم.. رأيتُ حتى اكتفيت...
- ماذا رأيتَ لك هذا؟
= لا يسعني ترتيبهم بالأبجدية ولا يمكنني ذكرهم لكني سأطرح الأمثلة..
رأيتُ طفلةً أعتدى جار أبيها عليها، وطفلةً جار الزمن بها، وطفلةً جرجرها المجتمع
حتى باتت كقطعة قماش بالية.
وطفلٍ قتلوا البراءة فيه فبات مسخًا مثلهم، وطفلًا قتلوه هو، لأجل ملئ أنفسهم بما
في الدنيا من ملاذ ترضي شهوتهم، وطفلًا مُلقى على الأرصفة وطفل إن أكل من القمامة
بفضل جوعه وجدها لذيذة تلك الفضلات المقززة..
ووجدتُ شابًا قتله شبابه حين انحرف عن الطريق، وشابًا قتل شابًا كان له خير صديق،
وشابًا يحلم بالنجاح، وآخر قتله الكفاح، وغيره أغراه حمل السلاح..
اعتدى على هذه وتجبر على هذا، شيء روتيني، لكن المخيف أن يرى فعله الجميع ولا أحد يتحرك
ليردعه، البعض بخشاه والآخر لأجل راحة باله تظاهر أن لا يراه..
هل ترى الصورة كاملة؟ راحة باله، أن يرى الظلم واقعًا علينًا وغدًا سيكون معنا ومع
ذلك يغمض عينيه ويدعي أنه أعمى..
وشابةً افتتنة بجمالها فتبرجت، وشابةً قتلتها غيرتها فَفَجَرت وتجبرت، وأخرى لنفسها
ولشيطانها تستمع، ومن تعترض أمرهم يهاجمها المجتمع، لا حياء هنا ولا مروءة.. نحن
عربٌ ومع ذلك لا أرى العروبة!
رأيت عجوزٍ هجر ابناءه حتى بغضوه، وأخر هجره ابناءه حتى على قيد الحياة هو قتله، وغيرهم
في القمامةِ ابيهم القوه، وغيرهم فعلوا المستحيل ولم يرضوه..
رأيتُ العالم أزرقًا في الرسم واسودًا في الواقع.. قالوا الحياة رمادية، فمال
الأبيض خاضعٍ عن مكانتها لا يُدافع رأيت...
- لا ترى فأنا أكتفيت
= أما أنا فبالكاد بدأت إن كان ما تبقى من عمري قرون وبت أذكر فيها ما رأيت لأنتهى
عمري وما أنتهيتُ..
#الكاتب_الرمادي
موفق
ردحذفتسلميلي
حذف