((وإن لم ترضى بما قسمته لك، فوعزتي وجلالي، لأسلطًا عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحوش في البرية ثم لا يكون لك منها إلا ما قسمته لك))
ما أوسعها رحمتك يا الله، لم أرضى بقسمتك وكنت لك متذمرًا، فأصريت على أن تزيدني خبرة، لأكون كليث مزمجرًا، فما اكتسبه في غابة العقاب بعدم رضائي، حتمًا ورغمًا عن الجميع سيفيدني، وكيف لا يفيدني وكنت في كل لحظة علمًا تزيدني.
أحبك يا رب بقدر كل حركة قمت بها، إرادية وغير إرادية، أحبك بقدر شوقي لجنة الخلد الأبدية، وبقدر جمال قولك ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، وبقدر ما في الكون من أنسجة وخلايا عصبية.
وأيقن بوجودك بقدر ما في الكون من ذرات وكواكب ونجوم، وأؤمن برحمتك كإيماني بوجود الجبال والبحار الأنهار الأمطار والغيوم، وأؤمن بمغفرتك كإيماني بتقلب مشاعري، من فرحًا لحزن ثم ضحكات تفتك بـ الهموم.
أعترف يا رب، كثيرًا ما كنت عاصيًا، صراحةً لم أكن يومًا رَاضِيًا، ولم أكن أرضى بقسمتك أبدًا، ولطالما كنت تعلمني بقسوة حتى حُطِّمَ عودي، فلم أعد أقوى على المبارزة مجددًا، حسنًا يا رب، توبة واهتديت، لم أعد أقوى على المزيد، في بعدك حقًا عانيت، رضيت يا رب رضيت، بما قسمت وبكل ما ستقسمه رضيت، فقر حطام عذاب ركام، كبرياء من حولي، وقبول بإرغام، رضيت فأنا حقًا قد اكتفيت، وسأرضى بالمزيد أعدك، فلا أحتمل فكرة أن أستيقظ فأشدني فنيت، ولم تغفر لي فمن عندها سينفعني بعدك.
أكثر ما يطمئنني إنك تعلم يا رب، تعلم أنني أخشاك، حتى وأنا في صلب المعصية أخشاك، كما تعلم أيضا أني أحمدك ولو لم أرى الضياء، حمدًا لك على ما أنا فيه، يا خالق الكون وما فيه، أرضًا وسماء، أحمدك يا رب قبل وبعد حدوث البلاء، أحمدك وإن كان حالي يدعو للرثاء، وقبل البحث عن مخرج، وبعدما خُيل لي أنها لحظة الفناء، أحمدك يا رب وإن لم تستجب لي أكثر من دعاء، فإن لم تستجب فدعائي شر يستتر بالخير كغطاء.
وتعلم أيضا يا رب أني لست مثلهم، يتذكرونك فقط عندما توصد الأبواب في وجوههم، طبعاً لا أقصد جميعهم، بل مقصدي المنافقين منهم، وأغلبهم كذلك، بِئْسًا.
ولطالما آمنت بقربك، واطمئن قلبي أنه ليس بغريب، وكيف أكون وقد أخبرتني شخصيًا إنك أقرب من أن تكون قريب، نعم أقصدها تلك الآية، شديدة الجمال ومصدر الهداية، التي لا أزال أسمع رنين نغمتها يغرد في قلبي مجددًا، ومن جديد، فلم أجد في الدنيا ما يضاهي جمال قولك وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، كم تمنيت أن يفهمها جنس البشر، قبل أمرك ل إسرافيل أن يبيد، ليتهم يفهموا أننا هنا، كلنا أسياد وكلنا عبيد.
أنت تعلم يا رب، لم أكن لأركب قطار السوء وحدي، تلك المحطة لم تكن يوما من اختياري، فقد وعدتك بالاعتدال ولم أكن لأخلف وعدي، لكن خياراتي كانت محتمة كالموت خيار إجباري.
وأنت تعلم أيضا أن عيناي ترقرقت بالأمل، لكنهم لفيناي عصبوا، أصبت بالعمى وعن درب الحق شلت قدماي، وأكثر ما أغضبني حيرة ماذا كسبوا.
كنت ترى بنفسك يا رب، كنت ترى، كنت ترى كم من ليالي نمتها، وعَبراتي على وجنتاي تنسكبُ، تسير على جبيني تحفر بحسرة، على صديق أمنته سري، لكن نيران الغدر في دماءه تلتهب، وآخر ظننته من الصالحين، فكان يزيد نيران الأولين بالحطب، وصديق ظننته كالجبال في الشدائد، وعندما احتجته، تبين أنه كبعير مصابة بالنقب.
وكم من ليالي عولت على كم من جرائم، بإسم الحق ترتكب، وكم من شيطان تحت رداء البراءة يخطب في الناس، ويا ليته ما خطب، فرنين لسانه يحول السامعين لفئران، في رقابها أجراس لرنينها الأفاعي تنجذب، وشيوخاً وجوههم تضئ نفاقاً وفي عقولهم وَسَبّ، يهدونك بمعسول الكلام وان اشتموا الرزيلة هبوا إليها ووثبوا، ورجال دين خانوا دينهم وشربوا، من عصير الدناءة والعهر تحت العباءة في الأبدان منتصب.
وفرسان حرب تركوا حدود بلدانهم وهربوا، عندما رأوا العدو يكشر عن أنيابه، طعنوا وطنهم في الظهر وانسحبوا، فتركوا خلفهم دماء أبرياء تفجرت كأنهار لشدتها، أحمر المدى واختفت من تحت الركبُ.
وخير ثمار أمة مسها ما مسني، فبات نهارهم ليلا وقد عتبوا، بعد محاولتهم لهداية فجّار بسماحة وجوههم وخير كلماتهم، فتلوثت آذانهم بأكثر من لون سَبّ، وقيدونا بأفعالهم في ظلمات لم نرى فيها، غير البرق وما دونه من ضياء عنّا يحتجب، فبعد أن كنا ملائكة من بشر، أصبحنا على ما فقدناه من نقاء ننتحب، بفضل جرائم لم نعلم عن فعلها شيء، وكانت لنا تنتسبُ، أصبح كل منا بغفلته، على أقرب قارب سوء، نتسابق على أول من يركبُ، والشيطان كجندي في قلوبنا، في كل لحظة تعلوا بهِ اَلرُّتَب.
وأنت أكثر من يعلم يا رب، أني رأيت في مشيب شبابي العجبُ، فسامحيني أمي وغفرانك يا رب فأنت أكثر من يعلم.
# أنت_تعلم_يا_رب
# عز الدين_مجدي
# الكاتب_الرمادي
# بقلمي