من أنا

     ربما انت تعرف هيكل جسدي عزيز القارئ، وربما لا، في الحقيقة لن تفرق كثيرا، لست متأكد من مدى معرفتك لي، لكن ما انا متأكد منه أنك لا ولن تعلم اي شيء عني سوى فقط ما اريدك ان تعرفه، دعني اخبرك من أكون!

حتى هذا السؤل له وجهان، اتقصد انا كـ عزالدين، ام انا كـ الرمادي، ام انا كـ جحيم؟

     كلها اسماء تعبر عني شبه كليا، ولكي ابسط عليك، امزج الرمادي بالجحيم لأنهم شبه متشابهان، دعني اعرف نفسي منذ ان نشأت، في الحقيقة انا لست خارقا، فانا خلقت مثلكم، لذا سأعرف نفسي جسديا اولا 

      من بين أكثر من 400 مليون حيوان منوي ذكورا و اناث، ينطلقون في سباق عنيف و مميت؛ من اجل الفوز بهذا الجحيم، او كما تطلقون عليه الحياة، و بالأدق الدنيا، هذا التعبير افضل.

      يعبرون المهالك واحدة تلو الأخرى، لا شيء في اذهاننا الا تلك البويضة الموجودة في نهاية المطاف، التي لن تقبل إلا باحتضان واحد فقط منا، و بالطبع أقوانا وأكثرنا جدارة بها، وسأصدقكم القول ليتني ما انطلقت حينها؛ فكان علي انا وكل هذه الملايين أن نخوض هذا السباق المميت، الذي كاد أن يكون حربا من اجلها، اجتزت أنا و مجموعة من أخوتي الجولة الأولى؛ فقد اجتزنا لزوجة الرحم، و كانت هذه البداية؛ حيث فقد نصفنا حياته غرقا، كنت أنا من المحظوظين والاقوياء طبعا الذين نجوا في هذا المكان، ولم يكن ليتوقف احدنا لمساعدة الاخر، فكلنا نفسي، ثم نفسي، ثم سحقا للجميع.

        جميعنا يسارع ويصارع ويتصارع بدون رحمة، لم ينظر أحدنا خلفه، ولو لبضعة أجزاء من الثانية، ولو حتى نظرة بسرعة الضوء، جميعنا محددين هدفنا وهو تلك البويضة.

     بدأت الجولة الثانية، وبدأت الحلبة تشتد علينا، وها نحن اتجهنا نحو مجزرة الاجساد المضادة، وهذه المرحلة لا يجتازها إلا الأقوياء حقًا، اجتزتها بسلام، لكن مع كامل التعازي للكثير من إخوتي الذين قُتلوا من قِبَل تلك الاجساد المضادة، بعد اجتيازنا للأجساد المضادة ها نحن نرى تلك البويضة تشع امامنا كأنها كوكب مضيء، وهي كنز ثمين لمن يستحقه منا،

       جميعنا رآها فانطلقنا مسرعين نحوها، عند وصولنا كنا نضرب جميعنا جدارها برؤوسنا محاولين اختراقه، لم يفلح باجتياز هذه الجولة سواي انا فقط؛ فقد تخطيت كل هذه الاختبارات المميتة من اجل ان استحق تلك البويضة.

       اخترقتها استقررت بداخلها؛ حيث تركت اخوتي بالخارج بعد أن أدركوا أن لا امل لهم في النجاة، وأن الموت مدركهم لا محالة؛ فجميعهم سيتساقطون أموات حول جدار البويضة، بينما انا اتكئ بداخلها اشعر بنشوه النصر، وأشاهد أخوتي يموتون، وكان هذا اول شيء يشكل الجحيم داخلي.

     وبعد مرور 120 يوم من ولوجي في داخل تلك البويضة، واكتمال نمو اعضائي، تصطف الملائكة في السماء؛ ناظرة إلى ذلك الملك ينزل من السماء السابعة يخترق السموات الست متجها إلى الأرض، يحمل الروح لينفخها في جسدي، وظللت في ذاك الرحم إلى ان اكتمل سكني فيه ما يقارب من 9 شهور، لأخرج و يسميني ابي عزالدين، كل هذا بيديهي وحدث مع جميعنا بإختلاف الأسم فقط، المهم دعني أكمل.... يتبع



الكاتب الرمادي

إن لم ترى نفسك في عيون الآخرين فأعلم أنك لم ترى نفسك مطلقًا وأن عقلك يخدعك عن ما تعرفه عنك لا محالة.. فلم نخلق لنرى ما بداخلنا بل لننظر داخل الآخرين..

إرسال تعليق

أحدث أقدم