وصيتي

 وصية ديمون لعائلته.. مقتبسة من رواية حرب باندورا.. وحاملة بعض المفاتيح من رواية المطهر..

"سلام عليكم يا عائلتي، سلام عليكم، سلام مُحمل بجنائز الأشواك ووباء على الأحزان كالطاعون يفتك بهم.. ولتأتي السعادة من بعدي على هذا العالم بصورةِ أميرةٍ تركبُ عربةً بحصانِ أمير، تزين جبهتها بطوق من الورود، وبيدها سوط من حبٍ كثير، تلوح بهِ كعصًا سحرية، كسحرنا الدموي القديم.. تنقل ارواحكم من بعدي بعد عمرٍ فوق عمرٍ طويل بجملة "عودي إلى ربكم راضيةً مرضية" عودي بجمال بإبتسامةٍ ونفسٍ شجية.. 

ولتعلموا يا من روحي قطعةً منكم وروحكم تنسجم في روحي.. أن ما أفعله الآن يضمد جرحًا فُـتحِ فيكم، وأقسم أن الضمادات تصبُ ملحًا في جروحي، ولكني غير آبهٍ.. يكفي أنكم ستكونون في سلام وتحيون في وئام.. ولو اشتدت الدنيا عليكم هنا فهي كما تعلمون "دُنيا" وما الدنيا إلا كابوس يلتهم الأحلام، فلننم في الآخرة حتى يصاب عقلنا بالتبلد من الخمول والكسل.. لا يهم، أنا أعمل هنا ليوم لا يكون فيه عمل.. أبحث لكم عن عطلةٍ جميلةٍ أبديةٍ خالدة.. لذا ترحموا عليَّ كثيرًا حيًا كُنتُ أو ميتًا.. بحاجةٍ لدعاءكم في الحالتين.. وأعدكم أني لن أموت..

عشتُ بينكم ثلاثة وسأعيش الرابعة وبكل اسمٍ نحتتُ وجهي في الرخام.. ديمون، عز والمسخ ذو الوجه البريء، جميعهم ذوي تاريخ قصير يحيا لأمد بعيد.. كل من رآني حفظ عني ما رويته.. وإن نساني يومًا فما نسيانه إلا نزلة برد وبعضٍ من الزكام.. سيُشفى سريعًا لتسيطر صورتي على عقله وتلتهمه وكأنها للذكريات كالسرطان..

أنا لن أمت يا أبتي لا تحزن، أنا فقط سأرحل لعالم آخر، أعرفكم فيه جميعًا.. أراكم من بلورةٍ سحريةٍ لا تعلمون عنها شيئًا.. ولن ترونني أبدًا، لكني سآراك، سآراك وأنت بي تتفاخر.. حتى يحين الوقت ليجمع الله شملنا في عائلةٍ سعيدةٍ وأيامٍ أجمل، أريدك ان تضمني إليك كثيرًا وتكثر معاتبتي، عاتبني من العدم، من اللا شيء، اختلق الأسباب لتعاتبني سأكون سعيدًا، تعاتبني يعني أنك تهتم.. يعني أنك لفراقي لم تكن تتحمل.

وأعتذر منكِ يا قطعة من جنة أراها أمي.. ومنك يا أيها العمود الفقري لظهري يسندني.. بدونه لا يمكنني السير نحت عليه كلمة أبي.. أن في مواقف كتلك يكون هناك سيناريو دراميًا كبير.. بين عناق ودموع المشتاق وغيرها من التفاصيل الحزينة.. لكني لو رأيت نظرة عبوس في عينيك سأتراجع عن ما أنا مقدم عليه وقد حاربت كثيرًا من أجل تلك اللحظة.. 

دخلت في نوبة صراع معي..مع ديمون بداخلي.. حَرَقَت كل أخضر يأكل عز الدين الصغير منه.. وقام عز الدين برش بذوره لدى يابسة ديمون.. فأنبتت الزهور؛ رق قلبه عليه.. فتوصلا آخيرًا لحلٍ يُرضي الطرفين.. ديمون يعشق الدراما وكان هذا يناسبه.. عز الدين، بريء كما تعلم ويحب الرحمة وموته فيه رحمتكم وهذا أيضُا يناسبه...

وصيتنا، وهذه ثلاثتنا وأربعتنا ومن يدري إن كان هناك اكثر ما اتفقنا عليه..

أحبكم.. وفي حال تقرأون هذه الأوراق وأنا غائب عنكم وجسد ملقًا في الذقاق، فلا تحزنوا، ما كان لمختلٍ مثلي أن يموت موتةً شريفة.. لن يكون هذا عدل

ذهبتُ الآن وأنا راضٍ أخيرًا بكل الصراعات الداخلية راضٍ عن نفسي عن ضميري، عن فعلتي، عنكم، عن كل شيء...

الملجأ أبتاه.. الملجأ يا أمي.. الملجأ هو أنا الذي لم تروه، سيكون سندًا وعكازًا تتسندون عليه.. ربوا أجياله بأنفسكم.. سيكبرون على ولائكم يموتون في سبيلكم..

سترون الشر في كل مكان يتراقص أمامكم كقردٍ في عرضٍ مسرحي، يتلاعب بعقولكم.. يشتَّتَكم ليفتنكم فلا تنظروا اليه.. فما الشيطان إلا لاعب خفةٍ حقير يتلاعب بأبصاركم. 

ستسألك المذيعة اللعينة بدلال وبعض من الأسى المصطنع لطبيعة عملها "ما هو شعورك بفقدان نجلك الوحيد" اكتفِ بالإبتسام وأخبرها أنك تشعر بالفخر.. وأن ما فعلته في يومٍ كانت تحتاج البشرية لفعلهِ أمدًا بعيدًا..

أخذت قبري بعيدًا ودفنتني عن العيون.. كما تعلم، أراني عظيم، ومن سمات العظماء موتٍ مجهول.. لم أرد أن تأتي لتزورني كل ليلتين لتبكي وتفرغ مقلتيك فدمعك عزيزًا عليّ، احتفظ برونقك أبي.. وأمي التي أحبتني ولم تنجبني.. الذنب ليس ذنبك، كانت إرادة القدر على كل حال.. خُلقتُ كقاتل وقلبي قطعةً من الجنة، ذلك التناقض الغريب كان سيسير بي لمراكزٍ أسوأ، وجّهتموني على الأقل.

دفنتني بعيدًا لأني لا أحب رؤية النفاق.. سيأتي كثيرًا من الزوار ليهنئوك على هيئة تعزية، ميدنس ملعونة من الجميع فقط لأنها كانت الأفضل إطلاقًا.. لا حاجة في قوم لنفاق قوم آخرين، يرون بقلوبٍ بلغ سوادها عتمة الأنفاق، ثقوب سوداء تضخ دمًا.. لا حاجة لنا بهم.

اصطفيت من الملجأ الكثيرين وتم تبنيهم من عائلاتٍ أثق بهم، هم بجواركم بعد سنين.. فقط نحن نأهلهم.. سيأخذون الكثير من شركاتنا.. وثق بي هم يستحقون، وسترى.. حولت لهم الكثير..

سيأتي أحدهم يخبركم أنه يعرفني ويطلب منكم التخلي عن الكثير، اسمعوا ما يمليه عليكم.. التخلص من الأموال ضمن الصفقة.. لحمايتكم.

وأبلغكم أخيرًا وليس آخرًا أنكم تحررتم من "ناصور" لا قرابين مجددًا، لا قتل ولا تعذيب، لا جان ولا خدم.. عُدتم أخيرًا أحرارًا عائلتي، فلتحيوا حياتكم كما كنتم من قبل.. مجردُ بشر، تقربوا من الله وتضرعوا لعله يغفر لنا.. لعله يُشفق علينا فيرحمنا ولعلي أمحو ما جلبه الشيطان لنا من شر، إن لم يفعل فتلك أعمالنا ونحن نستحق وأنت تعلم.. وإن رحمنا، فهو الكريم الرحيم الغفور.. لطالما كان متطلع على شُعيرة النور بداخلنا.. لذا تركنا نحيا ونتألم.. أرادنا أن نراه في الأخير.. لذا وأخيرًا اخترتُ طريقي، وطريقًا وددتم كثيرًا أن تسلكوه، درب الخير.. 

ما كنتُ لأقبل أن يضحي احدٌ غيري.. فمن فضلكم عائلتي لا تهدروا دمي.. لا تجعلوا موتي يذهبُ هباء.. لا تعودوا لنقطة الصفر مجددًا، لا تكنوا لحقيرٍ ضعيفٍ مجددًا بالولاء، الله أكبر، هو وحده من يستحق أن نخضع ونخشع ونتضرع من أجله.. هو من نتنفس ونتحرك وننطق ونسمع بأمره.. الله أكبر فلما ننصاع لذليلٍ أصغر؟

أخيرًا وآخرًا من فضلكم لا تذرفوا دمعًا ولا تنصبوا عزاء على موتي، فأنا لم أمت.. أنا بدلت الدنيا بالعليا لا أكثر.. أحبتتكم."

أماكن تواجد رواية حرب باندورا

#الكاتب_الرمادي

الكاتب الرمادي

إن لم ترى نفسك في عيون الآخرين فأعلم أنك لم ترى نفسك مطلقًا وأن عقلك يخدعك عن ما تعرفه عنك لا محالة.. فلم نخلق لنرى ما بداخلنا بل لننظر داخل الآخرين..

إرسال تعليق

أحدث أقدم