31 ديسمبر_2019

و ها قد وصلت لآخر يوم من ديسمبر، مر عام جديد ولاأزال من فوق الجثث أعبر، كثير من خلايا عقلي قد مات، وأكثر تحول وأبى الثبات، عام آخر مر وها أنا ذا كما كنت، أرتشف الماضي وأتلذذ بالذكريات، وكالعادة أبسق من كأسي السعادة والملذات، فطعمها دخيل لواقع من سعير، ورغم ذلك هناك منها الكثير والكثير والكثير والكثير، ولا يمكنني أبتلاعها، فإبتلاعها يعني شق في قلبي كم من جرح كبير.
أللعنة، بالخطأ قد إبتلعت بعضها، وفي ذهني ما أرعب تلك القطع، وترى ماذا سيفعل رعدها، كثير من الأفكار كانت تسبح حولي بعد أن إبتلعتها، وجميعها تتمركز حول ماذا سيحدث بعدها.
أنهيت خمرتي، وألقيت الكأس، ثم وضعت يدي على مصدر هلاكي مطمئنًا، لم يحدث شئ لا بأس، وأعلم أني فتحت على نفسي أبوابًا، بعد غلقها سأشعر باليأس، لكن حدث ما حدث ولا بأس.
وضعت رأسي على وسادتي، رافع من إستسلام النفس أعلام، لربما تهدأ الأمواج بعد رؤية رايتي، ولربما تتغير مسارات الأقلام، لكن غايتها لم تشبه غايتي، فقد رأيت كم من بقعة غرام.
أغمضت عيني لأسمع صوت ينادي، هيا تجمعوا، سنلتقط صورة نهاية العام، المصور ضاحكا لجمال الصورة هيا إبتسموا، ولتنزعوا ما لديكم من حزن فهو أوهام، رنت الكلمة في أذني ونظرت للكاميرا بضحكة مصطعنة، لطم فلاش الكاميرا وجهي، فرأيت ذكريات مسترجعة.
ما هذا، أراني داخل عدسات الماضي، عدت لأفضل عصر مر في حياتي، نعم هو ذاك العصر الذي لطالما رأيته في سهادي، طور الطفولة حيث لا يوجد معادي، أراني في مدرستي أحيي بكل فخر العلم، تحيا مصر حييتي يا بلادي، وبعدها رأيت الفرحة على وجهي مرتسمة، في الفصل على إجابتي تصفق الأيادي.
أذكر ذاك الطور جيدًا، كذكرى يوم ميلادي، ضحكات نابعة من قلبي نحو السماء، وكم من فرحة صيد بجانب الوادي، وبراءة من الخبث صافية، ونفس هانئة لمحصول السواد كالجراد، وطمأنينة شعرت بها، حين داعب وجهي الصراد، طفل حلوم مقياس دهر، وفي تحقيقه محاربًا مصممًا بعناد، وإن عُرِضتُ لمناوبات إحباط مصحوبة بطعنات، كنت لها فارسًا شديد البأس، وفي الشعور كالجماد.
أذكر تلك المرحلة جيدًا، مرحلة ما بين الأربعة والثلاثة عشر عام، فرح، سعادة، بريق، وأحلام، ضحكات، براءة، وأجمل أيام، لم أكن أحب الحياة، بل الحياة كانت تذوب داخلي بالهيام، لم أكن أعي معنى الحرب ولا حتى السلام، كنت أحيا بلا مبالة وفرح على الدوام، أذكرها جيدًا تلك الأيام، وكيف لي أن أنسى هذه الأعوام.
أذكرها كذكري لظلام غرفتي ليلا، ظلام شبيه بظلام النفق، كنت شجاعًا لا أخشى شيئًا، ولا أي شر قد خلق، كانت أيام جميلة كجمال فرحتي على نيلي من الأرواح الشريرة نيلًا، بصورتي الناس والفلق، كنت أضحك مهرولًا بعد يقيني ان الشر الان قد إنفلق.
و فجأة شريط الذكريات نحو النهاية إنطلق، لأفيق من لطمة الفلاش على صوت صديقي، فيما ذهب عقلك يا رفيقي، أجبته مبتسمًا لا شئ، فقط في جمال لحن موسيقي، أحد أصدقائي قاطعنا، هيا سنلتقط صورة أخرى، هندمت نفسي ونظرت للكاميرا بإبتسامة ساخرة، هذه المرة نظر لي فلاش الكاميرا نظرة عابرة، وفجأة اسودت الدنيا حولي أثار نظرة الفلاش، لأجدني أسقط على شريحة فاخرة، نظرة لها وإنتظرت لبرهة، فتحولت الشريحة لغرفة، وضوء خافة على مجسمي، يطل من الشرفة.
كان السيناريوا ينص على واقعي، في مكان ظننت ان لا أحد معي، كان اول خيط حزن يشتعل من فتيل تراكماتي، وكان سبب إشتعالة هو سذاجتي، كنت قد طلبت شئ من أبي، ولعلة ما رفض مطلبي، أدركت بعد عُمر أن مطلبي مستحيل، فلو نفذ لترك على وجهي كدمات، آثارها كانت ستدوم لوقت طويل، ولم يكن ليتحملها جسدي الهزيل.
نظرت في الأعلى فرأيت سمائي عنوان الشريحة ونبذة مختصرة، وليتني ما قرأته فالسيناريوا تقلبات شبية بالمجزرة، إكتشفت بعدها أني داخل لعبة، تقرأ العنوان فتدخل في تفاصيلة بكل ما فيه، من ليالٍ جميلة وأخرى صعبة، نظرت لعنوان الشريحة، كان مكتوب بخطوط رمادية وصريحة "طور ما بين الثلاثة والسبعة عشر حولًا" دخلت فرأيت مجسمي يجري بخطوات سريعة، وبسبب سرعته سقط سقطات مريعة.
تارة حزين تحت المطرة وتارة غريبة يضحك بين السيول، ونظرات ثقة عند الحديث عن ما له من ميول، كان اول طور أُحاسب فيه على ما لي من قول، لسبب ما لم أكن له فعول، وعن عظمة نفسي حينما طُلِبت وأجبت لا أستطيع الآن، أعذروني فأنا مشغول، وفعل قمت به بشكل غير متوقع، فرأيت في أعين الجميع نظرات إعجاب وذهول، وتراكمات أخرى في نفسي تجمعت، فإكتئبت لسبب مجهول، وعن تفوق في حياتي، كان من أقاربي مأمول، وفشل بذلت لنجاحه كل طاقتي، وضاع سدى كل جهد كان مبذول، وفشل آخر وضعت له تبريرات، وأساسه إهمال معلول.
و أيام فيها أنا وأصدقائي تقاتلنا، وأخرى أنا وحبيبتي قبل وبعد الفراق، بلهفة وشوق تقابلنا، كلانا نحو الاخر بخطوات سريعة حتى إحتضنا، يدي في قلبها ويدها في قلبي، تسابقنا، وكلانا لقلوب بعضنا سرقنا، وبعدها وبكل سذاجة هربنا، ولاحقا من حدوث الواقعة إحترقنا، ببكاء وغرز فرثاء على ما تركنا وما ضيعنا.
و خُتِم طوري برحيل جدي، وكم من عويل ودماء من أعيننا لم تجدي، وطموح رسمناه في خطط المجد، ثم إنحاء عن طريق الحق، وكم من شيخ لقلوبنا يهدي.
ثم عادت مرة أخرى صورة جدي منحوتة في القلوب، كان قد ظن البعض أني نسيته، وكيف لي أن أنساه، وهو في الفؤاد صدع غير مشعوب، رأيت جسمانه على سريره قد ذهب، ومعه كل شئ يذوب، ذهب بلا مرجع ومعه ذهبت، إبتسامة وجهي اللعوب.
و إنتهى الشريط ولا شئ امامي، وقفت مرتعبًا من شكل الظلام، وصوت زمجر فجأة فأثلج جسدي، وكأنه وحش او درغام.
ففتحت عيناي بعد إغماضها، لأجدني في طور الـ19 سنة، إستنتجت أني كنت في منام يشرح ماض ذرة مثقالها، من ماضٍ وردي وبالحرير إعادم، وإكتشفت أن الصوت كان إشعار من هاتفي، نظرت لها كانت رسالة من أحد اصدقائي الجدد، مضمونها إبقى معي الى الأبد.
#واحد_و_ثلاثون_من_ديسمبر
#ديسمبر_31
#عزالدين_مجدي
#الكاتب_الرمادي

الكاتب الرمادي

إن لم ترى نفسك في عيون الآخرين فأعلم أنك لم ترى نفسك مطلقًا وأن عقلك يخدعك عن ما تعرفه عنك لا محالة.. فلم نخلق لنرى ما بداخلنا بل لننظر داخل الآخرين..

إرسال تعليق

أحدث أقدم