رسائل اليأس

في وحدتي أبحر بمركبي، و الموج يعلو، سكِّير أقود مركبي، و من فوقي صخور تهطل، قبطان أنا بلا وجهة أسير، و الرياح بمركبي تلهو، كعصفورة في يد طفل تشعر بالألم، لا العصفورة تقوى على شيء فتنل الجذل، ولا الطفل ذو عقل فيصاب بالذلل.

سقط الظلام بلا قمر، و النجوم ما حلت بَدلُ، وروحي كحبات العُقد على الأرض تنستل، و الجميع من حولي يخشى القدر، في ليلة بيضاء منتظرة أن يبلو، أما جسدي، ففي ملك الرحمن يتنقل، أسير في كل الإتجاهات هائم، لا يملئ عيني كنز، ولا لمرسى مركبي دولُ، و كأن عقلي عن كل شيء جميل، بقفل من فولاذ أُقفَل، فلم أعد أنتظر من الدنيا شيء، و لا أرى في أحدهم خير يُأمل.

تحملت الكثير في دوجى الليالي، و تحملت أكثر مع بذوغ الشمس بما لا تتحمل الإبل، كسيري في كهف الجحيم، و على الأشواك كالأبله أتحجل، و في لهوي على الجمر تراني الوحوش لذيذ، كلذة طائر الحَجلُ، لا مفر لي من بينهم، ولا الضباع عليهم عذل.

سئمت من دنيا غذائي فيها ذقوم، و إستنشاقي ملوث بالخطلُ، متعطشًا للنقاء منذ الأذل، و الحب غذائي و السلام مئواي و كلهم بالكره بُدِلوا، كأمير في القصور ترعرع، و أمسى في الشوارع مشردا، بفضل غدرا غدره من كان بهم يعول، و لم يبكي و لم يحزن، و كيف له البكاء على قدر يعلم أنه مفعول، اللعنة.

و أحمق يقول ساخرًا أنت لم تعش، و ذاد في حديثه ما أصابني بالمللُ، و كيف لم أعش و قد عاشرت كل ذي غني، و كل من لا يملك سوى العطلُ، و قد رأيت في رحلتي ألوان مختلفة، كإختلاف الفردوس و الدرك الأسفلُ، و من مثلي رأى من الناس أشكالها، و قد هضمت ماضيهم، و في حاضري أشتممت رائحتهم في المستقبلُ، و أقسم أني رأيت الكثير، من حوريات و آبالسة و ملائكة، و لم أفرق بينهم فكلهم رحلوا، و بنفس طريقة ظهورهم إختفوا فجأة، ولازلت لا أدري على ماذا حصلوا، ولا يهم، و لم تعد تهم.

لم تعد تهم قطرات الدماء الصارخة، و على وجنتاي تنهمل، تسمعها على خدي الأسيل ناحبة، بأي ذنب إنفجرت عروقي، و القلب عن ضخ الدماء خامل يكسل، بسبب فجوة تركوها إثر رحيلهم، أصابت في الفؤاد كم من خلل، فبت أرى ما بين أضعلي يشتعل، و عقلي أُصيب بالخبل، و جسدي الصلب كالجبال فجأة، خارت قواه و أضحى أهزل، و الطفل بداخلي يقتلونه غدرًا، و لم نعرف بعد بأي ذنب يُقتل.

و العقل يصيح ما أصابنا ليس إثر رحيلهم يا حمقى، بل لما سلبوا، فما ضرنا برحيل قوم لم يجيدوا سوى، النهب و السلب و التدنيس و الختل، فما سلبوه من روحي كنوز لا تحصى، ما كنت بها لأحد خازل، فقد سلبوا حلمي بعد أن كدت أحققه، و بفضلهم صار بين القمامة يُهمل، و عملي عن الدنيا كان يغنيني، جعلوني أخسره و على حالي لم يحفلوا، اللعنة.

بل رأيتهم بعدها يحتفلوا، و طبعًا لن أحدثكم عن ما ضاع من عُمري، وما دمر من الأمل، أصبحت ما بين الحر في قومي، و من بعنقه غلُّ، تارة يرونني لهم بطلٌ، و تارة أخرى أكون كالأسلُ، أنا المعافى في بدني، و بين الناس مصاب بالشللُ.

كملك قتله عبيده بعدما ثملوا، لا الأسف سيعيد ملكهم، ولا على موته سينالوا حريتهم، و لا هم بنادمين على ما فعلوا، و ما كان الملك ظالمًا، ولا فيهم عبدًا طائشًا، ولا قصة الملك تنهل، روتين معهود في قوم كلهم رذل، بقلوب تضخ قذارة و بها تشتعلُ، و الغريب قصد العبيد، فقد كان مقصدهم أن يعتدلوا، و ما كانت فعلتهم سوى كبت وهمي، مثقول بحقد إليه وصلوا، و من حَقَنهُ حِفنة من فحم مُحترق، ليَظهرَ زيفًا أنه خضل، فما كان الموت إلا فرصة للثعالب؛ كي يثيروا الجدل، ليصوروا صانعوا الكبت بفلترٍ يظهرهم للعلن أنهم رسل، وفوقهم ذئاب يلعبون بهم كالدمىٰ، و دورهم تجسيد ملائكة من السماء نزلوا.

و أقاموا محاكمة عظيمة أمي، فيها صوت الخدم عن الجميع يُعزَل، و الحُكم إعدام لأنهم خدموا، و إطار الصورة أنهم قتلوا، و القصر خاوٍ، نريد حاكم هيَّا عجلوا، أنا حاكمكم الجديد، و هذه قوانيني عليها سيروا و أعتدلوا، كلمات قالها مخابيل قد ضُلِل، بواسطة ليوث بهم تلاعبوا، لأنهم لقوانين اللعبة قد جهلوا.

برهة و القصر أصبح مدينة مهجورة، و الأغرب أنهم نالوا وسام الشهامة على ما بذلوا، و أنا الملك هنا جسد بلا روح أسير، و على موت الأبيض مني أحتفل، فالأسود بات لوني، و الظلام سكني، و العزلة سكينتي، و العدم يسكن جوفي فلا تأتوا ولا تسألوا.

أصبحت كساحر في سرك يقدم عرضه، و في أعظم ساحته نفذت منه الحيل، فكان أمهر الموجودين حتى بعد فنائه، و أكثر من قذف بالجندل، كإبن فرناس علمهم الكثير، و أشهر ما عرف به، محاولته الناجحة حين باءة بالفشل، و أغرب ما رأيت يا قوم تخيلوا ماذا، أنه مات في ختام تجربته، و أنا أموت على نجاحي من شدة الخجل، فكلما نظرت حولي وجدت نظرات طاعنة، لست لها بجاهل، نظرات فرح و شماتة و كلمات لقلبي تستل، و قلبي يعتصر ألمًا، و يكاد يقف فرحًا، و عين في توحيد الشعورين تُسحل، اللعنة.

أنا بعيوبي كامل في عشيرتي، تحولت بين أدناهم أعزل، و قد كنت أُذِيقهم أسود الليالي عسل، بعدما كانوا يرون مذاق العيد حنظلُ، و لست متعجبًا لِمَا يحدث، فماذا أنتظر من قوم يبغضون الحرام، و هم لكل مواضعه يحللُ، فعجبًا لقوم يسيرون في الأرض ربي الله، وحبل العبادة بينهم تالف يتبتل، و سحقًا لقوم يقدسون في العلن من قلب حالهم، فأصبح أعزهم أزلهم، و سوى بالأعلى فصار أسفلُ، و ينبذون رجل يحدثهم بالحق و يذكرهم، بكلام من الله عليهم مُنَزَّلُ، أتقدسون فرعون و هو مستعبدكم، و تنبذون موسى و هو خير لكم و أعدل.

اللعنة حثالة الزمان يلومنني، و أدناهم يملي عليَّ ما يجب أن أفعلُ، فلا تبكي على زمان جار بمقامك لبرهة، و أبكي على وقت في سماع التراهات يُقتَل.

على من حولي أسير متعجرفًا، و في كل ثانية غروري يعلوا، و كلما إرتفعت و إرتفعت مكانتي، صدر صوت لنفسي ينتل، يهمس في أذني صارخًا ،"لا تبكي على ما فعلوه للحظةً، فندمهم إليك مُقبِل، و أبكي على ما فعلت فإنه، عند الإله مسجلٌ لا يُهمَلُ".

#عزالدين_مجدي​

#الكاتب_الرمادي​

#رسائل_اليأس​

#بقلمي​



الكاتب الرمادي

إن لم ترى نفسك في عيون الآخرين فأعلم أنك لم ترى نفسك مطلقًا وأن عقلك يخدعك عن ما تعرفه عنك لا محالة.. فلم نخلق لنرى ما بداخلنا بل لننظر داخل الآخرين..

إرسال تعليق

أحدث أقدم