دا لينك التطبيق بتاعنا متنساش تحمله يبوب
إحـدىٰ لـيـالـي عـام ١٩٤٨م
الـحـلـقـة الـثـانـيـة:-
مرحبًا بكم مجددًا مِنْ هُنا، مِنْ أرض فلسطين الحُرة الأبية، ها نحن نقف تحديدًا علىٰ أرض بيتْ لَحمْ، تلك المنطقة التي لطالما كانت مأوىٰ لكُلِ ضعيفٍ، لطالما كانت مَهد الكرم والسخاء، انظر بِعينكَ عزيزي المشاهد تِلكَ الأرض ثراها مُكللٌ بِدماء الشهداء، وكأنما اصطُبِغَت بالدِماء صَبْغًا، عدوٌ لا يرحم، وأهالٍ أبوا أن يطيعوا مَنْ قتلوا الأهل والولد، تعالوا معنا لنوثق بأيدينا وأعيننا ما حَلَّ بقلوب أهالينا بفلسطين، ما أصعب أن نُوثق ضَعفنا بأيدينا! لنعيش بين أجواء الحرب، وكأنما قلوبنا هي المسلوبة حقها، وكأنما مَنْ مات هناك تحت القصف وهو يجري محاولًا أنْ يصل إلىٰ بيتهِ هو الجَدْ والونس، وكأنما ذاك الغارق في دمائهِ على حدود بيتهِ ليحمي مَنْ كانوا له الحياة هو الأب والسند، وكأن هذا الصغير ذو الخمسة أعوام المنكب على وجهه، وبيدِه دمية صغيرة، وتحاوطه بِرْكة مِنْ الدِماء هو الابن والأمل، وكأن تلكَ الملتصقة بالجدار تحاول أن تجمع شتات نفسها لتعيد المحاولة في السيطرة علىٰ جميع أبنائها بعدما أيقنوا أنهم سيموتوا لا محالة، هي الأم والمُنىٰ، هنا حيث يتعايش الجميع مع حقيقة الموت، يسير كلٌ منهم وهو يعلم أنه ملاقٍ الموت في كل وقت، هنا حيث يعاني الجميع ليضمن بقاؤه علىٰ قيد الحياة ولو لِليلة، هنا حيث تَفرِق الثواني في حياة كل منهم، نحن نعيش ونَعُد أعمارنا بالسنين، وهناكَ من لا يضمن ثانية أخرىٰ، من لا يعلم إن كان سيكُمل عملهُ وينال أجره، أم سَيُقْتَلْ؟ نحن لا نعلم قيمة الحياة، نحن المبذرون في أعمارنا وكأنما ضمنَّا أن نعيش إلىٰ الأبد، نحن المتقاعسون وكأنما امتلكنا ثروات الأرض، وهُم المُسْتَعْمَرُون المُهددون، ومع ذلك لم يتقاعسوا يومًا، ولم يهملوا عملًا، كم كانت الحياة بخسة في نظرنا، وكم حياتهم ثمنية رغم ما يكسوها من ألمٍ! انظروا هُنا عبر تلك الشاشات، أتكاد قلوبكم أن تنخلِع! أحقًا ذُرِفَت دموعكم! هل أدرتم وجوهكم؟ ماذا إن كُنت أنت المنكب علىٰ وجهك غارق بين دمائِكَ؟ ماذا إن كُنت أنت من فقد الكل، وعاش وحيدًا؟ أطفال الأقصىٰ اليوم هم الأبطال، فهم لازالوا علىٰ قيد الحياة في وقتٍ تنهال فيه القنابل وترتفع أصوات الرصاصات مُعلنةً في كل وقت عن نهاية حياة أحدهم، كم أنتم عظماء آل فلسطين! يجب أن يَخُط التاريخ بأن هناك أبطال لم يتجاوزوا الخامسة من عمرهم صامدون أكثر من جيشٍ كامل، وأن هناك عجوزٌ في السبعين من عمره رفض أن يَمِس العدو أهله؛ فسقط شهيدًا، لكم كل التقدير والحب، لكم كل الإحترام والتمجيد، حتمًا سيتحرر الأقصىٰ ونستقبل هؤلاء الأبطال الصِغار.
كانت هذه إحدىٰ الليالي في فلسطين، نلقاكم في ليلة أخرىٰ إن صمدنا أحياء، فلربما جاء النصر وانفك الحِصار وأمِنَت البلاد.
#الـحـلـقـة الـثـانـيـة.
#إحـدىٰ لـيـالـي عـام 1948.
#شـهـد أحـمـد رسـلان.